مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يكلم أبي بن خلف فأعرض عنه فأنزل الله عز وجل " عبس وتولى أن جاءه الأعمى " فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه. قال قتادة وأخبرني أنس بن مالك قال: رأيته يوم القادسية وعليه درع ومعه راية سوداء يعني ابن أم مكتوم. وقال أبو يعلي وابن جرير حدثنا سعيد بن يحيي بن سعيد الأموي حدثني أبي قال هذا ما عرضنا على هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت أنزلت " عبس وتولى " في ابن أم مكتوم الأعمى أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول أرشدني قالت وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين قالت فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول " أترى بما أقول بأسا؟ " فيقول لا ففي هذا أنزلت " عبس وتولى ". وقد روى الترمذي هذا الحديث عن سعيد بن يحيي الأموي بإسناده مثله ثم قال وقد رواه بعضهم عن هشام بن عروة عن أبيه قال أنزلت " عبس وتولى " في ابن أم مكتوم ولم يذكر فيه عن عائشة " قلت " كذلك هو في الموطأ. ثم روي ابن جرير وابن أبي حاتم أيضا من طريق العوفي عن ابن عباس قوله " عبس وتولى أن جاءه الأعمى " قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب وكان يتصدى لهم كثيرا ويحرص عليهم أن يؤمنوا فأقبل إليه رجل أعمى يقال له عبد الله بن أم مكتوم يمشي وهو يناجيهم فجعل عبد الله يستقرئ النبي صلى الله عليه وسلم آية من القرآن وقال يا رسول الله علمني مما علمك الله فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبس في وجهه وتولي وكره كلامه وأقبل على الآخرين فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نجواه وأخذ ينقلب إلى أهله أمسك الله بعض بصره وخفق برأسه ثم أنزل الله تعالى " عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكي أو يذكر فتنفعه الذكرى " فلما نزل فيه ما نزل أكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما حاجتك؟ هل تريد من شئ؟ - وإذا ذهب من عنده قال - هل لك حاجة في شئ؟ " وذلك لما أنزل الله تعالى " أما من استغني فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكي " فيه غرابة ونكارة وقد تكلم في إسناده. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن منصور الرمادي حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث حدثنا يونس عن ابن شهاب قال: قال سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم " وهو الأعمى الذي أنزل الله تعالى فيه " عبس وتولى أن جاءه الأعمى " وكان يؤذن مع بلال قال سالم وكان رجلا ضريرا البصر فلم يك يؤذن حتى يقول له الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر أذن. وهكذا ذكر عروة بن الزبير ومجاهد وأبو مالك وقتادة والضحاك وابن زيد وغير واحد من السلف والخلف أنها نزلت في ابن أم مكتوم والمشهور أن اسمه عبد الله ويقال عمرو والله أعلم وقوله تعالى (كلا إنها تذكرة) أي هذا السورة أو الوصية بالمساواة بين الناس في إبلاغ العلم بين شريفهم ووضيعهم وقال قتادة والسدي " كلا إنها تذكرة " يعني القرآن (فمن شاء ذكره) أي فمن شاء ذكر الله تعالى في جميع أموره ويحتمل عود الضمير إلى الوحي لدلالة الكلام عليه.
وقوله تعالى (في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة) أي هذه السورة أو العظة وكلاهما متلازم بل جميع القرآن في صحف مكرمة أي معظمة موقرة " مرفوعة " أي عالية القدر " مطهرة " أي من الدنس والزيادة والنقص. وقوله تعالى " بأيدي سفرة " قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وابن زيد هي الملائكة وقال وهب بن منبه هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وقال قتادة هم القراء وقال ابن جريج عن ابن عباس السفرة بالنبطية القراء وقال ابن جرير:
والصحيح أن السفرة الملائكة والسفرة يعني بين الله تعالى وبين خلقه ومنه يقال: السفير الذي يسعى بين الناس في الصلح والخير كما قال الشاعر:
وما أدع السفارة بين قومي * وما أمشي بغش إن مشيت وقال البخاري سفرة: الملائكة سفرت أصلحت بينهم وجعلت الملائكة إذا نزلت بوحي الله تعالى وتأديته