" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ " ومعنى هذا أنهم مقصرون في شكر هاتين النعمتين لا يقومون بواجبهما ومن لا يقوم بحق ما وجب عليه فهو مغبون. وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا القاسم بن محمد بن يحيى المروزي حدثنا علي بن الحسين بن شقيق حدثنا أبو حمزة عن ليث عن أبي فزارة عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما فوق الازار وظل الحائط وجر الماء فضل يحاسب به العبد يوم القيامة أو يسئل عنه " ثم قال لا نعرفه إلا بهذا الاسناد. وقال الإمام أحمد حدثنا بهز وعفان قالا حدثنا حماد قال عفان في حديثه قال إسحاق بن عبد الله عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يقول الله عز وجل - قال عفان يوم القيامة - يا ابن آدم حملتك على الخيل والإبل وزوجتك النساء وجعلتك تربع وترأس فأين شكر ذلك؟ " تفرد به من هذا الوجه. آخر تفسير سورة التكاثر ولله الحمد والمنة.
سورة العصر ذكروا أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذاب وذلك بعدما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل أن يسلم عمرو فقال له مسيلمة ماذا أنزل على صاحبكم في هذه المدة؟ فقال لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة فقال وما هي؟ فقال " والعصر إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " ففكر مسيلمة هنيهة ثم قال وقد أنزل علي مثلها فقال له عمرو وما هو؟ فقال: يا وبر يا وبر إنما أنت أذنان وصدر وسائرك حفر نقر ثم قال كيف ترى يا عمرو فقال له عمرو؟ والله إنك لتعلم أنى أعلم أنك تكذب. وقد رأيت أبا بكر الخرائطي أسند في كتابه المعروف " بمساوئ الأخلاق " في الجزء الثاني منه شيئا من هذا أو قريبا منه.
والوبر دويبة تشبه الهر أعظم شئ فيه أذناه وصدره وباقيه دميم فأراد مسيلمة أن يركب من هذا الهذيان ما يعارض به القرآن. فلم يرج ذلك على عابد الأوثان في ذلك الزمان. وذكر الطبراني من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن عبيد الله بن حصن قال كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يفترقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الآخر سوره العصر إلى آخرها ثم يسلم أحدهما على الآخر: وقال الشافعي رحمه الله: لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم.
بسم الله الرحمن الرحيم والعصر (1) إن الانسان لفي خسر (2) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر (3) العصر: الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم من خير وشر وقال مالك عن زيد بن أسلم هو العصر والمشهور الأول فأقسم تعالى بذلك على أن الانسان لفي خسر أي في خسارة وهلاك (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) فاستثنى من جنس الانسان عن الخسران الذين آمنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم " وتواصوا بالحق " وهو أداء الطاعات وترك المحرمات (وتواصوا بالصبر) أي على المصائب والاقدار وأذى من يؤذي ممن يأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر. آخر تفسير سورة العصر ولله الحمد والمنة.