وقال الذي امن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد (38) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الأخرى هي دار القرار (39) من عمل سيئة فلا إلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولائك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب (40) قول المؤمن لقومه ممن تمرد وطغى وآثر الحياة الدنيا ونسي الجبار الاعلى فقال لهم " يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد " لا كما كذب فرعون في قوله " وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " ثم زهدهم في الدنيا التي قد آثروها على الأخرى وصدتهم عن التصديق برسول الله موسى عليه الصلاة والسلام فقال " يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع " أي قليلة زائلة فانية عن قريب تذهب وتضمحل " وإن الآخرة هي دار القرار " أي الدار التي لا زوال لها ولا انتقال منها ولا ظعن عنها إلى غيرها بل إما نعيم وإما جحيم ولهذا قال جلت عظمته " من عمل سيئة فلا يجزي إلا مثلها " أي واحدة مثلها " ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب " أي لا يتقدر بجزاء بل يثيبه الله عز وجل ثوابا كثيرا لا انقضاء له ولا نفاد والله تعالى الموفق للصواب * ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار (41) تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار (42) لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار (43) فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمرى إلى الله إن الله بصير بالعباد (44) فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بأل فرعون سوء العذاب (45) النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب (46) يقول لهم المؤمن ما بالي أدعوكم إلى النجاة وهي عبادة الله وحده لا شريك له وتصديق رسوله صلى الله عليه وسلم الذي بعثه " تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم " أي على جهل بلا دليل " وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار " أي هو في عزته وكبريائه يغفر ذنب من تاب إليه " لا جرم أنما تدعونني إليه " يقول حقا قال السدي وابن جريج معنى قوله " لا جرم " حقا وقال الضحاك " لا جرم " لا كذب وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " لا جرم " يقول بلى إن الذي تدعونني إليه من الأصنام والأنداد " ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة " قال مجاهد: الوثن ليس له شئ وقال قتادة يعني الوثن لا ينفع ولا يضر وقال السدي: لا يجيب داعيه لا في الدنيا ولا في الآخرة وهذا كقوله تبارك وتعالى " ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين " " إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم " وقوله " وأن مردنا إلى الله " أي في الدار الآخرة فيجازي كل بعمله ولهذا قال " وأن المسرفين هم أصحاب النار " أي خالدين فيها بإسرافهم وهو شركهم بالله عز وجل " فستذكرون ما أقول لكم " أي سوف تعلمون صدق ما أمرتكم به ونهيتكم عنه ونصحتكم ووضحت لكم وتتذكرونه وتندمون حيث لا ينفعكم الندم " وأفوض أمري إلى الله " أي وأتوكل على الله وأستعينه وأقاطعكم وأباعدكم " إن الله بصير بالعباد " أي هو بصير بهم تعالى وتقدس فيهدي من يستحق الهداية ويضل من يستحق الاضلال وله الحجة البالغة والحكمة التامة والقدر النافذ. وقوله تبارك وتعالى " فوقاه الله سيئات ما مكروا " أي في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فنجاه الله تعالى مع موسى عليه الصلاة والسلام وأما في الآخرة فبالجنة " وحاق بآل فرعون سوء العذاب " وهو الغرق في اليم ثم النقلة منه إلى الجحيم فإن أرواحهم تعرض على النار صباحا
(٨٧)