حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن زهير عن سالم سمعت الحسن يسأل عن قوله تعالى " لابثين فيها أحقابا " قال أما الأحقاب فليس لها عدة إلا الخلود في النار ولكن ذكروا أن الحقب سبعون سنة كل يوم منها كألف سنة مما تعدون وقال سعيد عن قتادة قال الله تعالى " لابثين فيها أحقابا " وهو ما لا انقطاع له وكلما مضى حقب جاء حقب بعده وقال الربيع بن أنس " لابثين فيها أحقابا " لا يعلم عدة هذه الأحقاب إلا الله عز وجل وذكر لنا أن الحقب الواحد ثمانون سنة والسنة ثلثمائة وستون يوما كل يوم كألف سنة مما تعدون رواهما أيضا ابن جرير. وقوله تعالى (لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا) أي لا يجدون في جهنم بردا لقلوبهم ولا شرابا طيبا يتغذون به ولهذا قال تعالى (إلا حميما وغساقا) قال أبو العالية استثنى من البرد الحميم ومن الشراب الغساق وكذا قال الربيع بن أنس فأما الحميم فهو الحار الذي قد انتهى حره وحموه والغساق هو ما اجتمع من صديد أهل النار وعرقهم ودموعهم وجروحهم فهو بارد لا يستطاع من برده ولا يواجه من نتنه، وقد قدمنا الكلام على الغساق في سورة ص بما أغنى عن إعادته - أجارنا الله من ذلك بمنه وكرمه: قال ابن جرير وقيل المراد بقوله " لا يذوقون فيها بردا " يعني النوم كما قال الكندي:
بردت مراشفها علي فصدني * عنها وعن قبلاتها البرد يعني بالبرد النعاس والنوم هكذا ذكره ولم يعزه إلى أحد. وقد رواه ابن أبي حاتم من طريق السدي عن مرة الطيب ونقله عن مجاهد أيضا وحكاه البغوي عن أبي عبيدة والكسائي أيضا وقوله تعالى (جزاءا وفاقا) أي هذا الذي صاروا إليه من هذه العقوبة وفق أعمالهم الفاسدة التي كانوا يعملونها في الدنيا قاله مجاهد وقتادة وغير واحد ثم قال تعالى (إنهم كانوا لا يرجون حسابا) أي لم يكونوا يعتقدون أن ثم دارا يجازون فيها ويحاسبون.
(وكذبوا بآياتنا كذابا) أي وكانوا يكذبون بحجج الله ودلائله على خلقه التي أنزلها على رسله صلى الله عليه وسلم فيقابلونها بالتكذيب والمعاندة وقوله " كذابا " أي تكذيبا وهو مصدر من غير الفعل قالوا وقد سمع أعرابي يستفتي الفراء على المروة: الحلق أحب إليك أو القصار؟ وأنشد بعضهم:
لقد طال ما ثبطتني عن صحابتي * وعن حوج قصارها من شقائيا وقوله تعالى (وكل شئ أحصيناه كتابا) أي وقد علمنا أعمال العباد كلهم وكتبناهم عليهم وسنجزيهم على ذلك إن خيرا فخير وإن شرا فشر. وقوله تعالى (فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا) أي يقال لأهل النار ذوقوا ما أنتم فيه فلن نزيدكم إلا عذابا من جنسه وآخر من شكله أزواج قال قتادة عن أبي أيوب الأزدي عن عبد الله بن عمرو قال لم ينزل على أهل النار آية أشد من هذه الآية " فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا " قال فهم في مزيد من العذاب أبدا وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن محمد بن مصعب الصوري حدثنا خالد بن عبد الرحمن حدثنا جسر بن فرقد عن الحسن قال سألت أبا برزة الأسلمي عن أشد آية في كتاب الله على أهل النار قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ " فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا " قال " هلك القوم بمعاصيهم الله عز وجل " جسر بن فرقد ضعيف الحديث بالكلية.
إن للمتقين مفازا (31) حدائق وأعنابا (32) وكواعب أترابا (33) وكأسا دهاقا (34) لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا (35) جزاء من ربك عطاءا حسابا (36) يقول تعالى مخبرا عن السعداء وما أعد لهم تعالى من الكرامة والنعيم المقيم فقال تعالى " إن للمتقين مفازا " قال ابن عباس والضحاك متنزها وقال مجاهد وقتادة: فازوا فنجوا من النار الاظهر هنا قول ابن عباس لأنه