يجب أن يكون حيا قيوما، وعيسى ما كان حيا قيوما، لزم القطع إنه ما كان إلها، فأتبعه بهذه الآية ليقرر فيها ما يكون جوابا عن هاتين الشبهتين:
أما الشبهة الأولى: وهي المتعلقة بالعلم، وهي قولهم: إنه أخبر عن الغيوب فوجب أن يكون إلها، فأجاب الله تعالى عنه بقوله * (إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء) * وتقرير الجواب أنه لا يلزم من كونه عالما ببعض المغيبات أن يكون إلها لاحتمال أنه إنما علم ذلك بوحي من الله إليه، وتعليم الله تعالى له ذلك، لكن عدم إحاطته ببعض المغيبات يدل دلالة قاطعة على أنه ليس بإله لأن الإله هو الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء فإن الإله هو الذي يكون خالقا، والخالق لا بد وأن يكون عالما بمخلوقه، ومن المعلوم بالضرورة أن عيسى عليه السلام ما كان عالما بجميع المعلومات والمغيبات، فكيف والنصارى يقولون: إنه أظهر الجزع من الموت فلو كان عالما بالغيب كله، لعلم أن القوم يريدون أخذه وقتله، وأنه يتأذى بذلك ويتألم، فكان يفر منهم قبل وصولهم إليه، فلما لم يعلم هذا الغيب ظهر أنه ما كان عالما بجميع المعلومات والمغيبات والإله هو الذي لا يخفى عليه شيء من المعلومات، فوجب القطع بأن عيسى عليه السلام ما كان إلها فثبت أن الاستدلال بمعرفة بعض الغيب لا يدل على حصول الإلهية، وأما الجهل ببعض الغيب يدل قطعا على عدم الإلهية، فهذا هو الجواب عن النوع الأول من الشبه المتعلقة بالعلم.
أما النوع الثاني: من الشبه، وهو الشبهة المتعلقة بالقدرة فأجاب الله تعالى عنها بقوله * (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء) * والمعنى أن حصول الإحياء والإماتة على وفق قوله في بعض الصور لا يدل على كونه إلها، لاحتمال أن الله تعالى أكرمه بذلك الإحياء إظهارا لمعجزته وإكراما له.
أما العجز عن الإحياء والإماتة في بعض الصور يدل على عدم الإلهية، وذلك لأن الإله هو الذي يكون قادرا على أن يصور في الأرحام من قطرة صغيرة من النطفة هذا التركيب العجيب، والتأليف الغريب ومعلوم أن عيسى عليه السلام ما كان قادرا على الإحياء والإماتة على هذا الوجه وكيف، ولو قدر على ذلك لأمات أولئك الذين أخذوه على زعم النصارى وقتلوه، فثبت أن حصول الإحياء والإماتة على وفق قوله في بعض الصور لا يدل على كونه إلها، أما عدم حصولهما على وفق مراده في سائر الصور يدل على أنه ما كان إلها، فظهر بما ذكر أن هذه الشبهة الثانية أيضا ساقطة.
وأما النوع الثاني من الشبه: فهي الشبه المبنية على مقدمات إلزامية، وحاصلها يرجع إلى نوعين.