والذهن ومشابها بها له، وغير متميز أحدهما عن الآخر بمزيد رجحان، فلا جرم سمي غير المعلوم بأنه متشابه، فهذا تحقيق القول في المحكم والمتشابه بحسب أصل اللغة، فنقول:
الناس قد أكثروا من الوجوه في تفسير المحكم والمتشابه، ونحن نذكر الوجه الملخص الذي عليه أكثر المحققين، ثم نذكر عقيبه أقوال الناس فيه فنقول:
اللفظ الذي جعل موضوعا لمعنى، فإما أن يكون محتملا لغير ذلك المعنى، وإما أن لا يكون فإذا كان اللفظ موضوعا لمعنى ولا يكون محتملا لغيره فهذا هو النص، وأما إن كان محتملا لغيره فلا يخلو إما أن يكون احتماله لأحدهما راجحا على الآخر، وإما أن لا يكون كذلك بل يكون احتماله لهما على السواء، فإن كان احتماله لأحدهما راجحا على الآخر سمي ذلك اللفظ بالنسبة إلى الراجح ظاهرا، وبالنسبة إلى المرجوح مؤولا، وأما إن كان احتماله لهما على السوية كان اللفظ بالنسبة إليهما معا مشتركا، وبالنسبة إلى كل واحد منهما على التعيين مجملا، فقد خرج من التقسيم الذي ذكرناه أن اللفظ إما أن يكون نصا، أو ظاهرا، أو مؤولا، أو مشتركا، أو مجملا، أما النص والظاهر فيشتركان في حصول الترجيح، إلا أن النص راجح مانع من الغير، والظاهر راجح غير مانع من الغير، فهذا القدر المشترك هو المسمى بالمحكم.
وأما المجمل والمؤول فهما مشتركان في أن دلالة اللفظ عليه غير راجحة، وإن لم يكن راجحا لكنه غير مرجوح، والمؤول مع أنه غير راجح فهو مرجوح لا بحسب الدليل المنفرد، فهذا القدر المشترك هو المسمى بالمتشابه، لأن عدم الفهم حاصل في القسمين جميعا وقد بينا أن ذلك يسمى متشابها إما لأن الذي لا يعلم يكون النفي فيه مشابها للإثبات في الذهن، وإما لأجل أن الذي يحصل فيه التشابه يصير غير معلوم، فأطلق لفظ المتشابه على ما لا يعلم إطلاقا لاسم السبب على المسبب، فهذا هو الكلام المحصل في المحكم والمتشابه، ثم اعلم أن اللفظ إذا كان بالنسبة إلى المفهومين على السوية، فههنا يتوقف الذهن، مثل: القرء، بالنسبة إلى الحيض والطهر، إنما المشكل بأن يكون اللفظ بأصل وضعه راجحا في أحد المعنيين، ومرجوحا في الآخر، ثم كان الراجح باطلا، والمرجوح حقا، ومثاله من القرآن قوله تعالى: * (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول) * (الإسراء: 16) فظاهر هذا الكلام أنهم يؤمرون بأن يفسقوا، ومحكمه قوله تعالى: * (إن الله لا يأمر بالفحشاء) * (الأعراف: 28) ردا على الكفار فيما حكى عنهم * (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها) * (الأعراف: 28) وكذلك قوله تعالى: * (نسوا الله فنسيهم) * (التوبة: 67) وظاهر النسيان ما يكون ضدا للعلم، ومرجوحه الترك والآية المحكمة فيه قوله تعالى: * (وما كان ربك نسيا) * (مريم: 64) وقوله تعالى: * (لا يضل ربي ولا ينسى) * (طه: 52).
واعلم أن هذا موضع عظيم فنقول: إن كل واحد من أصحاب المذاهب يدعي أن الآيات الموافقة