التزام الإضمار والتخصيص والقول الثاني يتمشى بمجرد التزام التخصيص فكان القول الثاني أولى هذا ما عندي فيه مع أن أكثر المحققين كالواحدي وصاحب " الكشاف " ذهبوا إلى الأول.
المسألة الثالثة: الألف واللام في قوله: * (فمن شهد منكم الشهر) * للمعهود السابق وهو شهر رمضان، ونظيره قوله تعالى: * (لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء) * (النور: 13) أي فإذ لم يأتوا بالشهداء الأربعة.
المسألة الرابعة: اعلم أن في الآية إشكالا وهو أن قوله تعالى: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * جملة مركبة من شرط وجزاء فالشرط هو شهود الشهر والجزاء هو الأمر بالصوم وما لم يوجد الشرط بتمامه لا يترتب عليه الجزاء والشهر اسم للزمان المخصوص من أوله إلى آخره، فشهود الشهر إنما يحصل عند الجزاء الأخير من الشهر وظاهر هذه الآية يقتضي أن عند شهود الجزء الأخير من الشهر يجب عليه صوم كل الشهر وهذا محال، لأنه يفضي إلى إيقاع الفعل في الزمان المنقضي وهو ممتنع فلهذا الدليل علمنا أنه لا يمكن إجراء هذه الآية على ظاهرها، وأنه لا بد من صرفها إلى التأويل، وطريقه أن يحمل لفظ الشهر على جزء من أجزاء الشهر في جانب الشرط فيصير تقريره: من شهد جزأ من أجزاء الشهر فليصم كل الشهر، فعلى هذا: من شهد هلال رمضان فقد شهد جزأ من أجزاء الشهر، وقد تحقق الشرط فيترتب عليه الجزاء، وهو الأمر بصوم كل الشهر، وعلى هذا التأويل يستقيم معنى الآية وليس فيه إلا حمل لفظ الكل على الجزء وهو مجاز مشهور.
واعلم أن المنقول عن علي أن المراد من هذه الآية، فمن شهد منكم أول الشهر فليصم جميعه وقد عرفت بما ذكرنا من الدليل أنه لا يصح البتة إلا هذا القول، ثم يتفرع على هذا الأصل فرعان أحدهما: أنه إذا شهد أول الشهر هل يلزمه صوم كل الشهر والثاني: أنه إذا شهد آخر الشهر هل يلزمه صوم كل الشهر.
أما الأول: فهو أنه نقل عن علي رضي الله عنه أن من دخل عليه الشهر وهو مقيم ثم سافر، أن الواجب أن يصوم الكل، لأنا بينا أن الآية تدل على أن من شهد أول الشهر وجب عليه صوم كل الشهر، وأما سائر المجتهدين فيقولون: إن قوله تعالى: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * وإن كان معناه: أن من شهد أول الشهر فليصمه كله إلا أنه عام يدخل فيه الحاضر والمسافر، وقوله بعد ذلك: * (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) * خاص والخاص مقدم على العام. فثبت أنه وإن سافر بعد شهوة الشهر فإنه يحل له الإفطار.
وأما الثاني: وهو أن أبا حنيفة زعم أن المجنون إذا أفاق في أثناء الشهر يلزمه قضاء ما مضى،