الذين كفروا في دعائهم آلهتهم كمثل الناعق في دعائه عند الجبل، فإنه لا يسمع إلا صدى صوته فإذا قال: يا زيد يسمع من الصدى: يا زيد. فكذلك هؤلاء الكفار إذا دعو هذه الأوثان لا يسمعون إلا ما تلفظوا به من الدعاء والنداء.
الطريق الثاني: في الآية وهو إجراؤها على ظاهرها من غير إضمار وفيه وجهان أحدهما: أن يقول: مثل الذين كفروا في قلة عقلهم في عبادتهم لهذه الأوثان، كمثل الراعي إذا تكلم مع البهائم فكما أنه يقضي على ذلك الراعي بقلة العقل، فكذا ههنا الثاني: مثل الذين كفروا في اتباعهم آباءهم وتقليدهم لهم، كمثل الراعي إذا تكلم مع البهائم فكما أن الكلام مع البهائم عبث عديم الفائدة، فكذا التقليد عبث عديم الفائدة.
أما قوله تعالى: * (صم بكم عمي) * فاعلم أنه تعالى لما شبههم بالبهائم زاد في تبكيتهم، فقال: * (صم بكم عمي) * لأنهم صاروا بمنزلة الصم في أن الذي سمعوه كأنهم لم يسمعوه وبمنزلة البكم في أن لا يستجيبوا لما دعوا إليه وبمنزلة العمى من حيث أنهم أعرضوا عن الدلائل فصاروا كأنهم لم يشاهدوها، قال النحويون * (صم) * أي هم صم وهو رفع على الذم، أما قوله: * (فهم لا يعقلون) * فالمراد العقل الاكتسابي لأن العقل المطبوع كان حاصلا لهم قال: العقل عقلان مطبوع ومسموع.
ولما كان طريق اكتساب العقل المكتسب هو الاستعانة بهذه القوى الثلاثة فلما أعرضوا عنها فقدوا العقل المكتسب ولهذا قيل: من فقد حسا فقد علما.
* (يا أيها الذين ءامنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله إن كنتم إياه تعبدون) *.
اعلم أن هذه الآية شبيهة بما تقدم من قوله: * (كلوا مما في الأرض حلالا طيبا) * (البقرة: 168) ثم نقول: إن الله سبحانه وتعالى تكلم من أول السورة إلى ههنا في دلائل التوحيد والنبوة واستقصى في الرد على اليهود والنصارى، ومن هنا شرع في بيان الأحكام، اعلم أن في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن الأكل قد يكون واجبا، وذلك عند دفع الضرر عن النفس، وقد