يجوز التعبير عنه بما وإن جاز ذلك لكن التعبير عنه سبحانه بمن أولى، فكان ينبغي أنا لو قلنا من أحسن زيدا أن يبقى معنى التعجب، ولما لم يبق علمنا فساد ما قالوه.
الحجة الرابعة: أن على التفسير الذي قالوا لا فرق بين قوله: ما أحسن زيدا وبين قوله زيدا ضرب عمرا فكما أن هذا ليس بتعجب وجب أن يكون الأول كذلك.
الحجة الخامسة: أن كل صفة ثبتت للشيء فثبوتها له إما أن يكون له من نفسه أو من غيره فإذا كان المؤثر في تلك الصفة نفسه أو غيره وعلى التقديرين فشئ صيره حسنا، إما أن يكون ذلك الشيء هو نفسه أو غيره، فإذن العلم بأن شيئا صيره حسنا علم ضروري والعلم بكونه متعجبا منه غير ضروري، فاذن لا يجوز تفسير قولنا: ما أحسن زيدا بقولنا شيء حسن زيدا.
الحجة السادسة: أنهم قالوا: المبتدأ لا يجوز أن يكون نكرة فكيف جعلوا ههنا أشد الأشياء تنكيرا مبتدأ؟ وقالوا: لا يجوز أن يقال: رجل كاتب لأن كل أحد يعلم أن في الدنيا رجلا كاتبا فلا يكون هذا الكلام مفيدا: وكذا كل أحد يعلم أن شيئا ما هو الذي حسن زيدا فأي فائدة في هذا الإخبار؟
الحجة السابعة: دخول التصغير الذي هو من خاصية الأسماء في قولك: ما أحسن زيدا، فإن قيل: جواز دخول التصغير إنما كان لأن هذا الفعل قد لزم طريقة واحدة، فصار مشابها للاسم فأخذ خاصيته وهو التصغير قلنا: لا شك أن للفعل ماهية وللتصغير ماهية فهاتان الماهيتان: إما أن يكونا متنافيتين، أو لا يكون متنافيتين فإن كانتا متنافيتين استحال اجتماعهما في كل المواضع فحيث اجتماعهما ههنا علمنا أن هذا ليس بفعل، وإن لم يكونا متنافيتين وجب صحة تطرق التصغير إلى كل الأفعال، ولما لم يكن كذلك علمنا فساد هذا القسم.
الحجة الثامنة: تصحيح هذه اللفظة وإبطال إعلاله فإنك تقول في التعجب: ما أقوم زيدا بتصحيح الواو كما تقول: زيد أقوم من عمرو، ولو كانت فعلا لكانت واوه ألفا لفتحة ما قبلها، ألا تراهم يقولون: أقام يقيم فإن قيل: هذه اللفظة لما لزمت طريقة واحدة صارت بمنزلة الاسم، وتمام التقرير أن الإعلال في الأفعال ما كان لعلة كونها فعلا ولا التصحيح في الأسماء لعلة الإسمية، بل كان الإعلال في الأفعال لطلب الخفة عند وجوب كثرة التصرف، وعدم الإعلال في الأسماء لعدم التصرف وهذا الفعل بمنزلة الاسم في علة التصحيح والإمتناع من الإعلال