المسألة الأولى: قوله تعالى: * (أولئك) * فيه قولان أحدهما: إنه إشارة إلى الفريق الثاني فقط الذين سألوا الدنيا والآخرة، والدليل عليه أنه تعالى ذكر حكم الفريق الأول حيث قال: * (وما له في الآخرة من خلاق) *.
والقول الثاني: أنه راجع إلى الفريقين أي لكل من هؤلاء نصيب من عمله على قدر ما نواه، فمن أنكر البحث وحج التماسا لثواب الدنيا فذلك منه كفر وشرك والله مجازيه، أو يكون المراد أن من عمل للدنيا أعطى نصيب مثله في دنياه كما قال: * (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب) * (الشورى: 20).
أما قوله تعالى: * (لهم نصيب مما كسبوا) * ففيه سؤالات:
السؤال الأول: قوله: * (لهم نصيب مما كسبوا) * يجري مجرى التحقير والتقليل فما المراد منه؟
الجواب: المراد: لهم نصيب من الدنيا ومن الآخرة بسبب كسبهم وعملهم فقوله: * (من) * في قوله: * (مما كسبوا) * لابتداء الغاية لا للتبعيض.
السؤال الثاني: هل تدل هذه الآية على أن الجزاء على العمل؟
الجواب: نعم. ولكن بحسب الوعد لا بحسب الاستحقاق الذاتي.
السؤال الثالث: ما الكسب؟
الجواب: الكسب يطلق على ما يناله المرء بعمله فيكون كسبه ومكتسبه، بشرط أن يكون ذلك جر منفعة أو دفع مضرة، وعلى هذا الوجه يقال في الأرباح: إنها كسب فلان، وأنه كثير الكسب أو قليل الكسب، لأن لا يراد إلا الربح، فأما الذي يقوله أصحابنا من أن الكسب واسطة بين الجبر والخلق فهو مذكور في الكتب القديمة في الكلام.
أما قوله تعالى: * (والله سريح الحساب) * ففيه مسائل.
المسألة الأولى: * (سريع) * فاعل من السرعة، قال ابن السكيت: سرع يسرع سرعا وسرعة فهو سريع * (والحساب) * مصدر كالمحاسبة، ومعنى الحساب في اللغة العد يقال: حسب يحسب حسابا وحسبة وحسبا إذا عد ذكره الليث وابن السكيت، والحسب ما عد ومنه حسب الرجل وهو ما يعد من مآثره ومفاخره، والاحتساب الاعتداد بالشئ، وقال الزجاج: الحساب في اللغة مأخوذ من قولهم: حسبك كذا أي كفاك فسمى الحساب في المعاملات حسابا لأنه يعلم به ما فيه كفاية وليس فيه زيادة على المقدار ولا نقصان.
المسألة الثانية: اختلف الناس في معنى كون الله تعالى محاسبا لخلقه على وجوه أحدها: أن معنى الحساب أنه تعالى يعلمهم ما لهم وعليهم، بمعنى أنه تعالى يخلق العلوم الضرورية في قلوبهم بمقادير أعمالهم وكمياتها وكيفياتها، وبمقادير ما لهم من الثواب والعقاب، قالوا: ووجه هذا المجاز أن الحساب سبب لحصول علم الإنسان بما له وعليه، فاطلاق اسم الحساب على هذا الإعلام يكون إطلاقا لاسم السبب على المسبب وهذا مجاز مشهور، ونقل عن ابن عباس أنه قال: إنه لا حساب على الخلق بل يقفون بين يدي الله تعالى ويعطون كتبهم بأيمانهم فيها سيئاتهم، فيقال لهم: هذه سيئاتكم قد تجاوزت عنها ثم يعطون حسناتهم ويقال: هذه حسناتكم قد ضعفتها لكم.