به في الآخرة فعجل به في الدنيا، فقال النبي عليه السلام: " سبحان الله إنك لا تطيق ذلك ألا قلت * (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) * " قال فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فشفي.
واعلم أنه سبحانه لو سلط الألم على عرق واحد في البدن، أو على منبت شعرة واحدة، لشوش الأمر على الإنسان وصار بسببه محروما عن طاعة الله تعالى وعن الاشتغال بذكره، فمن ذا الذي يستغني عن إمداد رحمة الله تعالى في أولاه وعقباه، فثبت أن الاقتصار في الدعاء على طلب الآخرة غير جائز، وفي الآية إشارة إليه حيث ذكر القسمين، وأهمل هذا القسم الثالث. المسألة الثانية: اختلفوا في أن الذين حكى الله عنهم أنهم يقتصرون في الدعاء على طلب الدنيا من هم؟ فقال قوم: هم الكفار، روي عن ابن عباس أن المشركين كانوا يقولون إذا وقفوا: اللهم ارزقنا إبلا وبقرا وغنما وعبيدا وإماء، وما كانوا يطلبون التوبة والمغفرة، وذلك لأنهم كانوا منكرين للبعث والمعاد، وعن أنس كانوا يقولون: اسقنا المطر وأعطنا على عدونا الظفر، فأخبر الله تعالى أن من كان من هذا الفريق فلا خلاق له في الآخرة، أي لا نصيب له فيها من كرامة ونعيم وثواب، نقل عن الشيخ أبي علي الدقاق رحمه الله أنه قال: أهل النار يستغيثون ثم يقولون: أفيضوا علينا من الماء، أو مما رزقكم الله في الدنيا، طلبا للمأكول والمشروب، فلما غلبتهم شهواتهم افتضحوا في الدنيا والآخرة، وقال آخرون: هؤلاء قد يكونون مؤمنين ولكنهم يسألون الله لدنياهم، لا لأخراهم ويكون سؤالهم هذا من جملة الذنوب حيث سألوا الله تعالى في أعظم المواقف، وأشرف المشاهد حطام الدنيا وعرضها الفاني، معرضين عن سؤال النعيم الدائم في الآخرة، وقد يقال لمن فعل ذلك إنه لا خلاق له في الآخرة، وإن كان الفاعل مسلما، كما روى في قوله: * (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة) * (آل عمران: 77) أنها نزلت فيمن أخذ مالا بيمين فاجرة، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، " إن الله يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم ثم معنى ذلك على وجوه أحدها: أنه لا خلاق له في الآخرة إلا أن يتوب والثاني: لا خلاق له في الآخرة إلا أن يعفو الله عنه والثالث: لا خلاق له في الآخرة كخلاق من سأل الله لآخرته، وكذلك لا خلاق لمن أخذ مالا بيمين فاجرة كخلاق من تورع عن ذلك والله أعلم.
المسألة الثالثة: قوله تعالى: * (ربنا آتنا في الدنيا) * حذف مفعول * (آتنا) * من الكلام لأنه كالمعلوم، واعلم أن مراتب السعادات ثلاث: روحانية، وبدنية، وخارجية أما الروحانية فإثنان: