الجمهور على قولهم بوجوه.
الحجة الأولى: أن قوله تعالى: * (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) * (البقرة: 183) يقتضي تشبيه صومنا بصومهم، وقد كانت هذه الحرمة ثابتة في صومهم، فوجب بحكم هذا التشبيه أن تكون ثابتة أيضا في صومنا، وإذا ثبت أن الحرمة كانت ثابتة في شرعنا، وهذه الآية ناسخة لهذه الحرمة لزم أن تكون هذه الآية ناسخة لحكم كان ثابتا في شرعنا.
الحجة الثانية: التمسك بقوله تعالى: * (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) * ولو كان هذا الحل ثابتا لهذه الأمة من أول الأمر لم يكن لقوله * (أحل لكم) * فائدة.
الحجة الثالثة: التمسك بقوله تعالى: * (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم) * ولو كان ذلك حلالا لهم لما كان بهم حاجة إلى أن يختانون أنفسهم.
الحجة الرابعة: قوله تعالى: * (فتاب عليكم وعفا عنكم) * ولولا أن ذلك كان محرما عليهم وأنهم أقدموا على المعصية بسبب الإقدام على ذلك الفعل، لما صح قوله: * (فتاب عليكم وعفا عنكم) *.
الحجة الخامسة: قوله تعالى: * (فالآن باشروهن) * ولو كان الحل ثابتا قبل ذلك كما هو الآن لم يكن لقوله: * (فالآن باشروهن) * فائدة.
الحجة السادسة: هي أن الروايات المنقولة في سبب نزول هذه الآية دالة على أن هذه الحرمة كانت ثابتة في شرعنا، هذا مجموع دلائل القائلين بالنسخ، أجاب أبو مسلم عن هذه الدلائل فقال:
أما الحجة الأولى: فضعيفة لأنا بينا أن تشبيه الصوم بالصوم يكفي في صدقه مشابهتهما في أصل الوجوب.
وأما الحجة الثانية: فضعيفة أيضا لأنا نسلم أن هذه الحرمة كانت ثابتة في شرع من قبلنا، فقوله: * (أحل لكم) * معناه أن الذي كان محرما على غيركم فقد أحل لكم.
وأما الحجة الثالثة: فضعيف أيضا، وذلك لأن تلك الحرمة كانت ثابتة في شرع عيسى عليه السلام، وأن الله تعالى أوجب علينا الصوم، ولم يبين في ذلك الإيجاب زوال تلك الحرمة فكان يخطر ببالهم أن تلك الحرمة كانت ثابتة في الشرع المتقدم، ولم يوجد في شرعنا ما دل على زوالها فوجب القول ببقائها، ثم تأكد هذا الوهم بقوله تعالى: * (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) * فإن مقتضى التشبيه حصول المشابهة في كل الأمور، فلما كانت هذه الحرمة ثابتة في الشرع المتقدم وجب أن تكون ثابتة في هذا الشرع، وإن لم تكن حجة قوية إلا أنها لا أقل