ليس في أم الكتاب والله تعالى يقول: * (حم والكتاب المبين) * (الدخان: 2) إلى قوله: * (وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم) * (الزخرف: 4) فما الكفر إلا هذا يا أبا عثمان، فسكت عمرو هنيهة ثم أقبل علي فقال والله لو كان القول كما يقول ما كان على أبي لهب من لوم، ولا على الوليد من لوم، فلما سمع الرجل ذلك قال أتقول يا أبا عثمان ذلك، هذا والله الذي قال معاذ فدخل بالإسلام وخرج بالكفر. وحكي أيضا أنه دخل رجل على عمرو بن عبيد وقرأ عنده: * (بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ) * (البروج: 22) فقال له أخبرني عن * (تبت) * أكانت في اللوح المحفوظ؟ فقال عمرو: ليس هكذا كانت، بل كانت: تبت يدا من عمل بمثل ما عمل أبو لهب فقال له الرجل، هكذا ينبغي أن تقرأ إذا قمنا إلى الصلاة: فغضب عمرو وقال: إن علم الله ليس بشيطان، إن علم الله لا يضر ولا ينفع. وهذه الحكاية تدل على شك عمرو بن عبيد في صحة القرآن. وثانيها: روى القاضي في كتاب طبقات المعتزلة عن ابن عمر، أن رجلا قام إليه فقال: يا أبا عبد الرحمن أن أقواما يزنون ويسرقون ويشربون الخمر ويقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ويقولون كان ذلك في علم الله فلم نجد منه بدا، فغضب ثم قال سبحان الله العظيم، قد كان في علمه أنهم يفعلونها فلم يحملهم على الله على فعلها. حدثني أبي عمر بن الخطاب أنه سمع رسول صلى الله عليه وسلم يقول: مثل علم الله فيكم كمثل السماء التي أظلتكم، والأرض التي أقلتكم، فكما لا تستطيعون الخروج من السماء والأرض فكذلك لا تستطيعون الخروج من علم الله تعالى، وكما لا تحملكم السماء والأرض على الذنوب فكذلك لا يحملكم علم الله تعالى عليها. واعلم أن في الأخبار التي يرويها الجبرية والقدرية كثرة، والغرض من رواية هذا الحديث بيان أنه لا يليق بالرسول أن يقول مثل ذلك، وذلك لأنه متناقض وفاسد، أما المتناقض فلأن قوله: " وكذلك لا تستطيعون الخروج من علم الله " صريح في الجبر وما قبله صريح في القدر فهو متناقض، وأما أنه فاسد، فلأنا بينا أن العلم بعدم الإيمان ووجود الإيمان متنافيان، فالتكليف بالإيمان مع وجود العلم بعدم الإيمان تكليف بالجمع بين النفي والإثبات، أما السماء والأرض فإنهما لا ينافيان شيئا من الأعمال، فظهر أن تشبيه إحدى الصورتين بالأخرى لا يصدر إلا عن جاهل أو متجاهل، وجل منصب الرسالة عنه. وثالثها: الحديثان المشهوران في هذا الباب: أما الحديث الأول: فهو ما روي في الصحيحين عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه ملكا فينفخ فيه الروح فيؤمر بأربع كلمات، فيكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد، فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " وحكى الخطيب في تاريخ بغداد عن عمرو بن عبيد
(٤٧)