مما علمت رشدا) * (الكهف: 66). الخامس: كان لسليمان عليه السلام من ملك الدنيا ما كان حتى أنه قال: * (رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) * ثم إنه لم يفتخر بالمملكة وافتخر بالعلم حيث قال: * (يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء) * (النمل: 16) فافتخر بكونه عالما بمنطق الطير فإذا حسن من سليمان أن يفتخر بذلك العلم فلأن يحسن بالمؤمن أن يفتخر بمعرفة رب العالمين كان أحسن ولأنه قدم ذلك على قوله: * (وأوتينا من كل شيء) * وأيضا فإنه تعالى لما ذكر كمال حالهم قدم العلم أولا وقال: * (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث) * (الأنبياء: 78) إلى قوله: * (وكلا آتينا حكما وعلما) * (الأنبياء: 79) ثم إنه تعالى ذكر بعد ذلك ما يتعلق بأحوال الدنيا فدل على أن العلم أشرف. السادس: قال بعضهم الهدهد مع أنه في نهاية الضعف ومع أنه كان في موقف المعاتبة قال لسليمان * (أحطت بما لم تحط به) * فلولا أن العلم أشرف الأشياء وإلا فمن أين للهدهد أن يتكلم في مجلس سليمان بمثل هذا الكلام ولذلك يرى الرجل الساقط إذا تعلم العلم صار نافذ القول عند السلاطين وما ذاك إلا ببركة العلم، السابع: قال عليه الصلاة والسلام: " تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة " وفي التفضيل وجهان: أحدها: أن التفكر يوصلك إلى الله تعالى والعبادة توصلك إلى ثواب الله تعالى والذي يوصلك إلى الله خير مما يوصلك إلى غير الله. والثاني: أن التفكر عمل القلب والطاعة عمل الجوارح، والقلب أشرف من الجوارح فكان عمل القلب أشرف من عمل الجوارح والذي يؤكد هذا الوجه قوله تعالى: * (وأقم الصلاة لذكري) * (طه: 14) جعل الصلاة وسيلة إلى ذكر القلب والمقصود أشرف من الوسيلة فدل ذلك على أن العلم أشرف من غيره. الثامن: قال تعالى: * (وعلمك ما لم تكن تعلم، وكان فضل الله عليك عظيما) * (النساء: 113) فسمى العلم عظيما وسمي الحكمة خيرا كثيرا فالحكمة هي العلم وقال أيضا: * (الرحمن علم القرآن) * (الرحمن: 1) فجعل هذه النعمة مقدمة على جميع النعم، فدل على أنه أفضل من غيره. التاسع: أن سائر كتب الله ناطقة بفضل العلم. أما التوراة فقال تعالى لموسى عليه السلام " عظم الحكمة فإني لا أجعل الحكمة في قلب عبد إلا وأردت أن أغفر له فتعلمها ثم اعمل بها ثم ابذلها كي تنال بها كرامتي في الدنيا والآخرة " وأما الزبور فقال سبحانه وتعالى: " يا داود قل لأحبار بني إسرائيل ورهبانهم حادثوا من الناس الأتقياء فإن لم تجدوا فيهم تقيا فحادثوا العلماء فإن لم تجدوا عالما فحادثوا العقلاء فإن التقى والعلم والعقل ثلاث مرات بما جعلت واحدة منهن في أحد من خلقي وأنا أريد إهلاكه " وأقول إنما قدم الله تعالى التقي على العلم لأن التقي لا يوجد بدون العلم كما بينا أن الخشية لا تحصل إلا مع العلم والموصوف بالأمرين أشرف من الموصوف بأمر واحد، وهذا السر أيضا قدم العالم على العاقل لأن العالم لا بد وأن يكون عاقلا، أما العاقل فقد لا يكون عالما فالعقل كالبذر والعلم كالشجرة والتقوى كالثمر. وأما الإنجيل قال الله تعالى في السورة السابعة عشر منه " ويل لمن سمع بالعلم فلم يطلبه كيف يحشر مع الجهال إلى النار اطلبوا العلم وتعلموه فإن العلم إن لم يسعدكم لم يشقكم
(١٨٨)