عن هذه المسألة إما أن يقع عن إمكانها أو عن وقوعها، أما الإمكان فيجوز إثباته تارة بالعقل، وبالنقل أخرى، وأما الوقوع فلا سبيل إليه إلا بالنقل، وإن الله ذكر هاتين المسألتين في كتابه وبين الحق فيهما من وجوه: الوجه الأول: أن كثيرا ما حكى عن المنكرين إنكار الحشر والنشر، ثم إنه تعالى حكم بأنه واقع كائن من غير ذكر الدليل فيه، وإنما جاز ذلك لأن كل ما لا يتوقف صحة نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم عليه أمكن إثباته بالدليل النقلي، وهذه المسألة كذلك فجاز إثباتها بالنقل، مثاله ما حكم ههنا بالنار للكفار، والجنة للأبرار، وما أقام عليه دليلا بل اكتفى بالدعوى، وأما في إثبات الصانع وإثبات النبوة فلم يكتف فيه بالدعوى بل ذكر فيه الدليل، وسبب الفرق ما ذكرناه وقال في سورة النحل: * (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * (النحل: 38) وقال في سورة التغابن: * (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤون بما عملتم) * (التغابن: 7). الوجه الثاني: أنه تعالى أثبت إمكان الحشر والنشر بناء على أنه تعالى قادر على أمور تشبه الحشر والنشر، وقد قرر الله تعالى هذه الطريقة على وجوه، فأجمعها ما جاء في سورة الواقعة فإنه تعالى ذكر فيها حكاية عن أصحاب الشمال أنهم كانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون، فأجابهم الله تعالى بقوله: * (قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم) * (الواقعة: 49) ثم إنه تعالى احتج على إمكانه بأمور أربعة: أولها: قوله: * (أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون) * (الواقعة: 58) وجه الاستدلال بذلك أن المني إنما يحصل من فضلة الهضم الرابع وهو كالطل المنبث في آفاق أطراف الأعضاء ولهذا تشترك الأعضاء في الالتذاذ بالوقاع بحصول الانحلال عنها كلها، ثم إن الله تعالى سلط قوة الشهوة على البقية حتى أنها تجمع تلك الأجزاء الطلية، فالحاصل أن تلك الأجزاء كانت متفرقة جدا، أولا في أطراف العالم، ثم أنه تعالى جمعها في بدن ذلك الحيوان، ثم إنها كانت متفرقة في أطراف بدن ذلك الحيوان فجمعها الله سبحانه وتعالى في أوعية المني، ثم إنه تعالى أخرجها ماء دافقا إلى قرار الرحم فإذا كانت هذه الأجزاء متفرقة فجمعها وكون منها ذلك الشخص، فإذا افترقت بالموت مرة أخرى فكيف يمتنع عليه جمعها مرة أخرى؟ فهذا تقرير هذه الحجة، وإن الله تعالى ذكرها في مواضع من كتابه، منها في سورة الحج: * (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب) * إلى قوله: * (وترى الأرض هامدة) * ثم قال: * (ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور) * (الحج: 6، 7) وقال في سورة قد أفلح المؤمنون بعد ذكر مراتب الخلقة: * (ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) * (المؤمنون: 15، 16) وقال في سورة لا أقسم: * (ألم يك نطفة من مني يمني ثم كان علقة فخلق فسوى) * (القيامة: 37، 38) وقال في سورة الطارق: * (فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج) * إلى قوله: * (إنه على رجعه لقادر) * (الطارق: 5 - 8). وثانيها: قوله: * (أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه) * إلى قوله: * (بل نحن محرومون) * (الواقعة: 67) وجه الاستدلال به أن الحب وأقسامه
(١٢٣)