فتأويل الكلام: ولم يرسل يا محمد من قبلك من رسول إلى أمة من الأمم ولا نبي محدث ليس بمرسل، إلا إذا تمنى.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله تمنى في هذا الموضع، وقد ذكرت قول جماعة ممن قال: ذلك التمني من النبي (ص) ما حدثته نفسه من محبته مقاربة قومه في ذكر آلهتهم ببعض ما يحبون، ومن قال ذلك محبة منه في بعض الأحوال أن لا تذكر بسوء.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا قرأ وتلا أو حدث. ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته يقول: إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:
إذا تمنى قال: إذا قال.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: إلا إذا تمنى يعني بالتمني: التلاوة والقراءة.
وهذا القول أشبه بتأويل الكلام، بدلالة قوله: فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته على ذلك لان الآيات التي أخبر الله جل ثناؤه أنه يحكمها، لا شك أنها آيات تنزيله، فمعلوم أن الذي ألقي فيه الشيطان هو ما أخبر الله تعالى ذكره أنه نسخ ذلك منه وأبطله ثم أحكمه بنسخه ذلك منه.
فتأويل الكلام إذن: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تلا كتاب الله، وقرأ، أو حدث وتكلم، وألقى الشيطان في كتاب الله الذي تلاه وقرأه أو في حديثه الذي حدث وتكلم. فينسخ الله ما يلقي الشيطان يقول: تعالى فيذهب الله ما يلقي الشيطان من ذلك على لسان نبيه ويبطله. كما: