والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى عليه الشيطان كلمتين: تلك الغرانقة العلى، وإن شفاعتهن لترجى، فتكلم بها. ثم مضى فقرأ السورة كلها. فسجد في آخر السورة، وسجد القوم جميعا معه، ورفع الوليد بن المغيرة ترابا إلى جبهته فسجد عليه، وكان شيخا كبيرا لا يقدر على السجود. فرضوا بما تكلم به وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيي ويميت وهو الذي يخلق ويرزق، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، إذ جعلت لها نصيبا، فنحن معك قالا:
فلما أمسى أتاه جبرائيل عليهما السلام فعرض عليه السورة فلما بلغ الكلمتين اللتين ألقى الشيطان عليه قال: ما جئتك بهاتين فقال رسول الله (ص): افتريت على الله وقلت على الله ما لم يقل فأوحى الله إليه: وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك، لتفتري علينا غيره... إلى قوله: ثم لا تجد لك علينا نصيرا. فما زال مغموما مهموما حتى نزلت عليه: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم. قال: فسمع من كان من المهاجرين بأرض الحبشة أن أهل مكة قد أسلموا كلهم، فرجعوا إلى عشائرهم وقالوا: هم أحب إلينا فوجدوا القوم قد ارتكسوا حين نسخ الله ما ألقى الشيطان.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن زياد المدني، عن محمد بن كعب القرظي قال: لما رأى رسول الله (ص) تولي قومه عنه، وشق عليه ما يرى من مباعدتهم ما جاءهم به من عند الله، تمنى في نفسه أن يأتيه من الله ما يقارب به بينه وبين قومه. وكان يسره، مع حبه وحرصه عليهم، أن يلين له بعض ما غلظ عليه من أمرهم، حين حدث بذلك نفسه وتمنى وأحبه، فأنزل الله: والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى فلما انتهى إلى قول الله: أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان على لسانه، لما كان يحدث به نفسه ويتمنى أن يأتي به قومه:
تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن ترتضي. فلما سمعت ذلك قريش فرحوا وسرهم،