وقال آخرون: بل ذلك بمعنى الاستفهام، وإنما تأويله: أفظن أن لن نقدر عليه؟ ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
فظن أن لن نقدر عليه قال: هذا استفهام. وفي قوله: فما تغني النذر قال:
استفهام أيضا.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب، قول من قال:
عنى به: فظن يونس أن لن نحبسه ونضيق عليه، عقوبة له على مغاضبته ربه.
وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الكلمة، لأنه لا يجوز أن ينسب إلى الكفر وقد اختاره لنبوته، ووصفه بأن ظن أن ربه يعجز عما أراد به ولا يقدر عليه، وصف له بأنه جهل قدرة الله، وذلك وصف له بالكفر، وغير جائز لاحد وصفه بذلك. وأما ما قاله ابن زيد، فإنه قول لو كان في الكلام دليل على أنه استفهام حسن، ولكنه لا دلالة فيه على أن ذلك كذلك.
والعرب لا تحذف من الكلام شيئا لهم إليه حاجة إلا وقد أبقت دليلا على أنه مراد في الكلام، فإذا لم يكن في قوله: فظن أن لن نقدر عليه دلالة على أن المراد به الاستفهام كما قال ابن زيد، كان معلوما أنه ليس به وإذ فسد هذان الوجهان، صح الثالث وهو ما قلنا.
وقوله: فنادى في الظلمات اختلف أهل التأويل في المعني بهذه الظلمات، فقال بعضهم: عني بها ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت. ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون: فنادى في الظلمات قال: ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل. وكذلك قال أيضا ابن جريج.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن زياد، عن عبد الله بن أبي سلمة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: نادى في الظلمات:
ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
حدثني محمد بن إبراهيم السلمي، قال: ثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا