فخرج يونس ينظر العذاب، فلم ير شيئا، قال: جربوا علي كذبا فذهب مغاضبا لربه حتى أتى البحر.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن وهب بن منبه اليماني، قال: سمعته يقول: إن يونس بن متى كان عبدا صالحا، وكان في خلقه ضيق. فلما حملت عليه أثقال النبوة، ولها أثقال لا يحملها إلا قليل، تفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل، فقذفها بين يديه، وخرج هاربا منها. يقول الله لنبيه (ص): فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل واصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت: أي لا تلق أمري كما ألقاه.
وهذا القول، أعني قول من قال: ذهب عن قومه مغاضبا لربه، أشبه بتأويل الآية، وذلك لدلالة قوله: فظن أن لن نقدر عليه على ذلك. على أن الذين وجهوا تأويل ذلك إلى أنه ذهب مغاضبا لقومه، إنما زعموا أنهم فعلوا ذلك استنكارا منهم أن يغاضب نبي من الأنبياء ربه واستعظاما له. وهم بقيلهم أنه ذهب مغاضبا لقومه قد دخلوا في أمر أعظم مما أنكروا، وذلك أن الذين قالوا: ذهب مغاضبا لربه اختلفوا في سبب ذهابه كذلك، فقال بعضهم: إنما فعل ما فعل من ذلك كراهة أن يكون بين قوم قد جربوا عليه الخلف فيما وعدهم، واستحيا منهم، ولم يعلم السبب الذي دفع به عنهم البلاء. وقال بعض من قال هذا القول: كان من أخلاق قومه الذين فارقهم قتل من جربوا عليه الكذب، عسى أن يقتلوه من أجل أنه وعدهم العذاب، فلم ينزل بهم ما وعدهم من ذلك. وقد ذكرنا الرواية بذلك في سورة يونس، فكرهنا إعادته في هذا الموضع.
وقال آخرون: بل إنما غاضب ربه من أجل أنه أمر بالمصير إلى قوم لينذرهم بأسه ويدعوهم إليه، فسأل ربه أن ينظره ليتأهب للشخوص إليهم، فقيل له: الامر أسرع من ذلك ولم ينظر حتى شاء أن ينظر إلى أن يأخذ نعلا ليلبسها، فقيل له نحو القول الأول.
وكان رجلا في خلقه ضيق، فقال: أعجلني ربي أن آخذ نعلا فذهب مغاضبا.
وممن ذكر هذا القول عنه: الحسن البصري.