قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قول من قال: معناه أن لهم أعمالا صالحة عند الله يستوجبون بها منه الثواب وذلك أنه محكي عن العرب: هؤلاء أهل القدم في الاسلام أي هؤلاء الذين قدموا فيه خيرا، فكان لهم فيه تقديم، ويقال: له عندي قدم صدق وقدم سوء، وذلك ما قدم إليه من خير أو شر، ومنه قول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
لنا القدم الأولى إليك وخلفنا * لأولنا في طاعة الله تابع وقول ذي الرمة:
لكم قدم لا ينكر الناس أنها * مع الحسب العادي طمت على البحر فتأويل الكلام إذا: وبشر الذين آمنوا أن لهم تقدمة خير من الأعمال الصالحة عن ربهم.
القول في تأويل قوله تعالى: قال الكافرون إن هذا لسحر مبين.
اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة: إن هذا لسحر مبين بمعنى: إن هذا الذي جئتنا به، يعنون القرآن لسحر مبين. وقرأ ذلك مسروق وسعيد بن جبير وجماعة من قراء الكوفيين: إن هذا لسحر مبين وقد بينت فيما مضى من نظائر ذلك أن كل موصوف بصفة نزل الموصوف على صفته، وصفته عليه، فالقارئ مخير في القراءة في ذلك وذلك نظير هذا الحرف: قال الكافرون إن هذا لسحر مبين ولساحر مبين وذلك أنهم إنما وصفوه بأنه ساحر، ووصفهم ما جاءهم به أنه سحر يدل على أنهم قد وصفوه بالسحر. وإذا كان ذلك كذلك فسواء بأي ذلك قرأ القارئ لاتفاق معنى القراءتين. وفي الكلام محذوف استغنى بدلالة ما ذكر عما ترك ذكره وهو: فلما بشرهم وأنذرهم وتلا عليهم الوحي، قال الكافرون إن هذا الذي جاءنا به لسحر مبين.