قد ارتضاه. إن الله لا يضيع أجر المحسنين يقول: إن الله لا يدع محسنا من خلقه أحسن في عمله فأطاعه فيما أمره وانتهى عما نهاه عنه، أن يجازيه على إحسانه ويثيبه على صالح عمله فلذلك كتب لمن فعل ذلك من أهل المدينة ومن حولهم من الاعراب ما ذكر في هذه الآية الثواب على كل ما فعل فلم يضيع له أجر فعله ذلك.
وقد اختلف أهل التأويل في حكم هذه الآية، فقال بعضهم: هي محكمة، وإنما كان ذلك لرسول الله (ص) خاصة، لم يكن لاحد أن يتخلف إذا غزا خلافه فيقعد عنه إلا من كان ذا عذر، فأما غيره من الأئمة والولاة فإن لمن شاء من المؤمنين أن يتخلف خلافه إذا لم يكن بالمسلمين إليه ضرورة. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الاعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه هذا إذا غزا نبي الله بنفسه، فليس لأحد أن يتخلف. ذكر لنا أن نبي الله (ص) قال:
لولا أن أشق على أمتي ما تخلفت خلف سرية تغزو في سبيل الله، لكني لا أجد سعة فانطلق بهم معي، ويشق على أو أكره أن أدعهم بعدي.
حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: سمعت الأوزاعي، وعبد الله بن المبارك، والفزاري، والسبيعي، وابن جابر، وسعيد بن عبد العزيز يقولون في هذه الآية: ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الاعراب أن يتخلفوا عن رسول الله...
إلى آخر الآية. إنها لأول هذه الأمة وآخرها من المجاهدين في سبيل الله.
وقال آخرون: هذه الآية نزلت وفي أهل الاسلام قلة، فلما كثروا نسخها الله وأباح التخلف لمن شاء، فقال: وما كان المؤمنون لينفروا كافة. ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الاعراب أن يتخلفوا عن رسول الله فقرأ حتى بلغ:
ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون قال: هذا حين كان الاسلام قليلا، فلما كثر الاسلام بعد قال: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة... إلى آخر الآية.