أو أن هذه المنزلة جاءت لتحديد أهمية حج بيت الله الحرام، الذي يجب أن يتم بأي أسلوب وبأية إمكانات. وأن لا ينتظر الحاج مركبا له.
أما عبارة " ضامر " فتعني الحيوان الضعيف، إشارة إلى أن هذا الطريق يجعل الحيوان هزيلا، لأنه يجتاز صحاري جافة محرقة لا زرع فيها ولا ماء، واستعدادا لتحمل الصعاب في هذا الطريق.
أو يكون المراد أن على الحاج اختيار جواد قوي سريع صابر، رشيق ضامر، متدرب على السير في مثل هذه الطرق، ولا فائدة ترجى من الحيوان المنعم في هذا الطريق. (مثلما لا يمكن للرجال المترفين اجتياز هذا الطريق).
أما عبارة من كل فج عميق فهي إشارة إلى توجه الحجاج إلى الكعبة، ليس فقط من الأماكن القريبة، بل يشمل ذلك الحجاج من الأماكن البعيدة أيضا.
كلمة " كل " لا تعني هنا الاستغراق والشمول، بل الكثرة.
ويذكر المفسر المشهور أبو الفتوح الرازي في تفسيره لهذه الآية حياة مثيرة لرجل يدعى " أبو القاسم بشر بن محمد " فيقول: رأيت حين الطواف شيخا هزيلا بدت عليه آثار السفر، ورسم التعب علائمه على جبينه. تقدمت إليه وسألته من أين أنت؟ أجاب: من فج عميق طال قطعه خمسة أعوام! فأصبحت شيخا هزيلا من شدة تعب السفر وآلامه، فقلت: والله لهي مشقة، إلا أنها طاعة خالصة وحب عميق لله تعالى.
فسره ذلك ثم أنشد:
زر من هويت وإن شطت بك الدار * وحال من دونه حجب وأستار!
لا يمنعنك بعد من زيارته * إن المحب لمن يهواه زوار!
حقا إن جاذبية بيت الله هي بدرجة تجعل القلوب الطافحة بالإيمان تهوى