وعلى قول تفسير الكشاف فإن جملة ولئن مستهم نفحة... تتضمن ثلاثة تعابير كلها تشير إلى القلة: التعبير بالمس، والتعبير بالنفحة، من ناحية اللغة، ومن ناحية الوزن والصيغة أيضا (1).
والخلاصة: إن ما يريد أن يقوله القرآن الكريم هو: إن هؤلاء الذين عميت قلوبهم يسمعون كلام النبي ومنطق الوحي سنين طويلة، ولا يؤثر فيهم أدنى تأثير، إلا أنهم عندما تلهب ظهورهم سياط العذاب - وإن كانت خفيفة يسيرة - سيصرخون إنا كنا ظالمين ألا ينبغي لهؤلاء أن ينتبهوا قبل أن تصيبهم سياط العذاب؟
ولو انتبهوا حينئذ، فما الفائدة؟ فإن هذه اليقظة الإضطرارية لا تنفعهم، وإذا ما هدأت فورة العذاب واطمأنوا فإنهم سيعودون إلى ما كانوا عليه!
أما الآية الأخيرة التي نبحثها فتشير إلى حساب القيامة الدقيق، وجزائها العادل، ليعلم الكافرون والظالمون أن العذاب على فرض أنه لم يعمهم في هذه الدنيا، فإن عذاب الآخرة حتمي، وسيحاسبون على جميع أعمالهم بدقة، فتقول:
ونضع الموازين القسط ليوم القيامة.
" القسط " يعني أحيانا عدم التبعيض، وأحيانا يأتي بمعنى العدالة بصورة مطلقة، وما يناسب المقام هو المعنى الثاني.
ومما يلفت النظر أن " القسط " هنا ذكر كصفة للموازين، وهذه الموازين دقيقة ومنظمة إلى الحد الذي تبدو وكأنها عين العدالة (2).
ولهذا تضيف مباشرة: فلا تظلم نفس شيئا فلا ينقص من ثواب المحسنين شئ، ولا يضاف إلى عقاب المسيئين شئ.
إلا أن نفي الظلم والجور هذا لا يعني عدم الدقة في الحساب، بل وإن كان