المختلفة، كناياته وإشاراته، عناوينه ورؤوس مطالبه، طريقة الدخول في البحوث والخروج منها، والخلاصة: إن كل أقسامه متحدة متناسقة لأنها وليدة فكر واحد، وترشح قلم واحد.
أما إذا تعهد شخصان أو عدة أشخاص بأن يؤلف كل منهم جزءا من الكتاب - وإن كان الجميع علماء متقاربين في الروح والتفكير - فستظهر آثار هذه الازدواجية أو الكثرة في العبارات والألفاظ، وطريقة الأبحاث. وسبب ذلك واضح، لأن الفردين مهما كانا منسجمين في الفكر والذوق، فإنهما في النتيجة فردان، فلو كانت كل أشيائهما واحدة لأصبحا فردا واحدا، فبناء على هذا فيجب أن يكون هناك تفاوت فيما بينهما قطعا ليتمكنا أن يكونا فردين، وهذا الاختلاف سيؤثر أثره في النتيجة، وسيبدي آثاره في كتاباتهما.
وكلما كان هذا الكتاب أكبر وأكثر تفصيلا، ويبحث مواضيع متنوعة، فإن عدم الانسجام يلمس فيه أوضح. وكتاب عالم الخلقة الكبير، الذي نضيع بكل وجودنا في طيات عباراته لعظمته يشمله هذا القانون أيضا.
حقا إننا لا نستطيع مطالعة كل هذا الكتاب حتى لو صرفنا كل عمرنا في مطالعته، إلا أن هذا القدر الذي وفقنا نحن - وجميع العلماء - لمطالعته منسجم إلى الحد الذي يدل تماما على وحدة مؤلفه.. إننا كلما تصفحنا هذا الكتاب العجيب فستظهر بين كلماته وسطوره وصفحاته آثار تنظيم عال وانسجام منقطع النظير.
فإذا كانت هناك إرادات وبدايات متعددة تتدخل في إدارة هذا العالم وتنظيمه، فهل كان بالإمكان أن يوجد مثل هذا الانسجام؟
ولو فكرنا: لماذا يستطيع علماء الفضاء أن يرسلوا السفن الفضائية إلى الفضاء بدقة كاملة، وينزلوا العربة على القمر في المحل الذي قدروه من الناحية العلمية بدقة متناهية، ثم يحركونها من هناك وينزلونها إلى الأرض في المحل الذي توقعوه؟