وأساسا، فإن هؤلاء يفرقون من كل جديد، ويتمسكون ويفرحون لكل الخرافات القديمة التي ورثوها من الآباء والأجداد، وكأنهم قد تعاهدوا عهدا دائما على أن يخالفوا كل حقيقة جديدة، مع أن أساس تكامل الإنسان مبتن على أن يواجه الإنسان كل يوم مسائل جديدة.
ثم تقول من أجل زيادة التأكيد: لاهية قلوبهم لأنهم في الظاهر يتخذون كل المسائل الجدية لهوا ولعبا - كما تشير جملة " يلعبون " إلى ذلك، حيث وردت بصيغة فعل مضارع مطلق - وهم في الباطن مشغولون باللهو والمسائل التي لا قيمة لها، والتي تجعلهم في غفلة عن الواقع. ومن الطبيعي أن مثل هؤلاء الأشخاص سوف لا يجدون طريق السعادة، ولا يوفقون إليه.
ثم تشير إلى جانب من الخطط الشيطانية فتقول: وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم (1) وإذا لم يكن سوى بشر اعتيادي، فلابد أن تكون أعماله الخارقة ونفوذ كلامه سحرا، ولا يمكن أن يكون شيئا آخر: أفتأتون السحر وأنتم تبصرون؟
قلنا: إن هذه السورة نزلت في مكة، وفي تلك الأيام التي كان فيها أعداء الإسلام في غاية القوة والمنعة، فأي داع يدعوهم لإخفاء كلامهم، بل وحتى نجواهم؟ (وينبغي الالتفات إلى أن القرآن يقول إنهم كانوا يخفون حتى مناجاتهم).
قد يكون ذلك من أجل أن هؤلاء كانوا يتشاورون في المسائل التي تتصف بالتخطيط والتآمر، حتى يظهروا أمام عامة الناس موقفا واحدا ضد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
إضافة إلى أن هؤلاء كانوا من ناحية القوة متفوقين حتما، إلا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين كانوا من ناحية المنطق والقوة ونفوذ الكلام أكثر تفوقا، وهذا التفوق هو الذي دفع هؤلاء إلى أن يتشاوروا في الخفاء لانتخاب الأجوبة المصطنعة في