إن هؤلاء يمرون في مسيرهم وذهابهم وإيابهم على منازل قوم عاد - في أسفارهم إلى اليمن - وعلى مساكن ثمود المتهدمة الخربة - في سفرهم إلى الشام - وعلى منازل قوم لوط التي جعل عاليها سافلها - في سفرهم إلى فلسطين - ويرون آثارهم، إلا أنهم لا يعتبرون، فإن الخرائب والأطلال تتكلم بلسان الحال وتخبر عن قصص السابقين وتحذر أبناء اليوم وأبناء الغد وتعول صارخة أن هذه عاقبة الظلم والكفر والفساد.
نعم.. إن في ذلك لآيات لاولي النهى (1).
إن موضوع أخذ العبرة من تأريخ الماضين من الأمور التي يؤكد عليها القرآن والأحاديث الإسلامية كثيرا، وهو حقا معلم مذكر منبه، فما أكثر أولئك الأشخاص الذين لا يتأثرون بأية موعظة، ولا يعتبرون بها، إلا أن رؤية مشاهد من آثار الماضين المعبرة تهزهم، وكثيرا ما تغير مسير حياتهم.
ونقرأ في حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " أغفل الناس من لم يتعظ بتغير الدنيا من حال إلى حال " (2) ولا يفكر في تقلب الليل والنهار وتعاقبهما.
الآية التالية في الحقيقة جواب عن سؤال يثار هنا، وهو: لماذا لا يجري الله سبحانه على هذا القسم من المجرمين ما أجراه على المجرمين السابقين، فيقول القرآن: ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى.
إن هذه السنة الإلهية التي ذكرت في مواضع عديدة من القرآن باسم (كلمة) إشارة إلى قانون الخلقة المبتني على حرية البشر، لأن كل مجرم إذا عوقب مباشرة وبدون أن يمهل، فإن الإيمان والعمل الصالح سيتصف بالجبر تقريبا، وسيكون على الأغلب خوفا من العقاب الآني، وبناء على هذا فسوف لا يكون وسيلة للتكامل الذي هو الهدف الأصلي.