أراك كئيبا، ومعناه: مالك. ولكنه من القلب الذي يوضح المعنى. واختلف في سبب تفقده الهدهد، فقيل: إنه احتاج إليه في سفره، ليدله على الماء، لأنه يقال:
إنه يرى الماء في بطن الأرض، كما يراه في القارورة، عن ابن عباس. وروى العياشي بالإسناد قال: قال أبو حنيفة لأبي عبد الله عليه السلام: كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير؟ قال: لأن الهدهد يرى الماء في بطن الأرض، كما يرى أحدهم الدهن في القارورة. فنظر أبو حنيفة إلى أصحابه وضحك. قال أبو عبد الله عليه السلام: ما يضحكك؟ قال: ظفرت بك جعلت فداك! قال: وكيف ذلك؟ قال: الذي يرى الماء في بطن الأرض، لا يرى الفخ في التراب حتى يؤخذ بعنقه؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: يا نعمان! أما علمت أنه إذا نزل القدر أغشى البصر؟ وقيل: إنما تفقده لإخلاله بنوبته، عن وهب، وقيل: كانت الطيور تظلله من الشمس، فلما أخل الهدهد بمكانه، بان بطلوع الشمس عليه.
(أم كان من الغائبين) معناه: أتأخر عصيانا، أم غاب لعذر وحاجة؟ قال المبرد: لما تفقد سليمان الطير، ولم ير الهدهد، قال: مالي لا أرى الهدهد؟ على تقدير: أنه مع جنوده وهو لا يراه. ثم أدركه الشك فشك في غيبته عن ذلك الجمع، بحيث لم يره فقال: أم كان من الغائبين أي: بل أكان من الغائبين، كأنه ترك الكلام الأول، واستفهم عن حاله وغيبته.
ثم أوعده على غيبته، فقال: (لأعذبنه عذابا شديدا) معناه: لأعذبنه بنتف ريشه، وإلقائه في الشمس، عن ابن عباس، وقتادة، ومجاهد. وقيل: بأن أجعله بين أضداده، وكما صح نطق الطير وتكليفه في زمانه معجزة له، جازت معاتبته على ما وقع منه من تقصير، فإنه كان مأمورا بطاعته، فاستحق العقاب على غيبته. (أو لأذبحنه) أي: لأقطعن حلقه عقوبة على عصيانه. (أو ليأتيني بسلطان مبين) أي:
بحجة واضحة تكون له عذرا في الغيبة. (فمكث غير بعيد) أي: فلم يلبث سليمان إلا زمانا يسيرا حتى جاء الهدهد. وقيل: معناه فلبث الهدهد في غيبته قليلا، ثم رجع. وعلى هذا فيجوز أن يكون التقدير: فمكث في مكان غير بعيد. قال ابن عباس: فأتاه الهدهد بحجة.
(فقال أحطت بما لم تحط به) أي: اطلعت على ما لم تطلع عليه، وجئتك بأمر لم يخبرك به، ولم يعلم به الإنس، وبلغت ما لم تبلغه أنت ولا جنودك. وهو