جنوده) أي: جمع له جموعه، وكل صنف من الخلق جند على حدة، بدلالة قوله (من الجن والإنس والطير) قال المفسرون: كان سليمان إذا أراد سفرا، أمر فجمع له طوائف من هؤلاء الجنود على بساط، ثم يأمر الريح فتحملهم بين السماء والأرض. والمعنى: وحشر لسليمان جنوده أي: جمع له جموعه في مسير له.
وقال محمد بن كعب: بلغنا أن سليمان بن داود كان معسكره مائة فرسخ:
خمسة وعشرون منها للإنس، وخمسة وعشرون للجن، وخمسة وعشرون للوحش، وخمسة وعشرون للطير. وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب، فيها ثلاثمائة صريحة، وسبعمائة سرية. فيأمر الريح العاصف فترفعه، ويأمر الرخاء فتسير به.
فأوحى الله تعالى إليه، وهو يسير بين السماء والأرض: إني قد زدت في ملكك، أنه لا يتكلم أحد من الخلائق بشئ إلا جاءت به الريح فأخبرتك. وقال مقاتل: نسجت الشياطين لسليمان بساطا فرسخا في فرسخ، ذهبا في إبريسم، وكان يوضع فيه منبر من الذهب، في وسط البساط، فيقعد عليه وحوله ثلاثة آلاف كرسي من ذهب وفضة، فيقعد الأنبياء على كراسي الذهب، والعلماء على كراسي الفضة، وحولهم الناس، وحول الناس الجن والشياطين، وتظله الطير بأجنحتها حتى لا تقع عليه الشمس، وترفع الريح الصبا البساط مسيرة شهر من الصباح إلى الرواح، ومن الرواح إلى الصباح.
(فهم يوزعون) أي: يمنع أولهم على آخرهم، عن ابن عباس. ومعنى ذلك أن على كل صنف من جنوده وزعة ترد أولهم على آخرهم، ليتلاحقوا ولا يتفرقوا، كما تقوم الجيوش إذا كثرت بمثل ذلك، وهو أن تدفع أخراهم، وتوقف أولاهم.
وقيل: معناه يحبسون، عن ابن زيد، وهو مثل الأول في أنه يحبس أولاهم على أخراهم. (حتى إذا أتوا على واد النمل) أي: فسار سليمان وجنوده حتى إذا أشرفوا على واد، وهو الطائف، عن كعب. وقيل: هو بالشام، عن قتادة ومقاتل. (قالت نملة) أي: صاحت بصوت خلق الله لها، ولما كان الصوت مفهوما لسليمان، عبر عنه بالقول. وقيل: كانت رئيسة النمل. (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم) أي: لا يكسرنكم (سليمان وجنوده وهم لا يشعرون) بحطمكم ووطئكم فإنهم لو علموا بمكانكم لم يطؤوكم. وهذا يدل على أن سليمان وجنوده كانوا ركبانا ومشاة على الأرض، ولم تحملهم الريح، لأن الريح لو حملتهم بين