موسى) ولم يقل وقوم موسى، لأن قومه بنو إسرائيل، وكانوا آمنوا به. وإنما كذبه فرعون وقومه (فأمليت للكافرين) أي: أخرت عقوبتهم وأمهلتهم، يقال: أملى الله لفلان في العمر إذا أخر عنه أجله (ثم أخذتهم) أي: بالعذاب (فكيف كان نكير) استفهام معناه التقرير أي: فكيف أنكرت عليهم ما فعلوا من التكذيب، فأبدلتهم بالنعمة نقمة، وبالحياة هلاكا. قال الزجاج: المعنى ثم أخذتهم فأنكرت أبلغ إنكار.
ثم ذكر سبحانه كيف عذب المكذبين، فقال: (فكأين من قرية أهلكناها) أي: وكم من قرى أهلكناها وأخذناها. والاختيار التاء، وذلك لقوله: (فأمليت).
(وهي ظالمة) أي: وأهلها ظالمون بالتكذيب والكفر. (فهي خاوية على عروشها) أي: خالية من أهلها، ساقطة على سقوفها. (وبئر معطلة) عطف على قوله (من قرية) أي: وكم من بئر بار أهلها، وغار ماؤها، وتعطلت من دلائها، فلا مستقي منها، ولا وارد لها. (وقصر مشيد) أي: وكم من قصر رفيع مجصص، تداعى الخراب بهلاك أهله، فلم يبق فيه داع ولا مجيب. وأصحاب الآبار ملوك البدو.
وأصحاب القصور ملوك الحضر.
وفي تفسير أهل البيت عليهم السلام في قوله (وبئر معطلة): أن المعنى وكم من عالم لا يرجع إليه، ولا ينتفع بعلمه. وقال الضحاك: هذه البئر كانت بحضرموت في بلدة يقال لها (حاضور) نزل بها أربعة آلاف ممن آمن بصالح، ومعهم صالح. فلما حضروا مات صالح، فسمي المكان (حضرموت). ثم إنهم كثروا فكفروا وعبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم نبيا يقال له حنظلة، فقتلوه في السوق، فأهلكهم الله فماتوا عن آخرهم، وعطلت بئرهم، وخرب قصر ملكهم.
(أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور [46] ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون [47] وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير [48]