(وإن لكم في الأنعام لعبرة) أي: دلالة تستدلون بها على قدرة الله تعالى.
(نسقيكم مما في بطونها) أراد به اللبن. ومن قرأ بضم النون أراد: إنا جعلنا ما في ضروعها من اللبن سقيا لكم. ومن فتح النون نجعل ذلك مختصا بالسقاة. وهو مفسر في سورة النحل. (ولكم فيها منافع كثيرة) في ظهورها وألبانها وأوبارها وأصوافها وأشعارها. (ومنها تأكلون) أي: من لحومها وأولادها والتكسب بها. (وعليها) يعني على الإبل خاصة. (وعلى الفلك تحملون) وهذا كقوله: (وحملناهم في البر والبحر) أما في البر فالإبل، وأما في البحر فالسفن.
ولما قدم سبحانه ذكر الأدلة الدالة على كمال قدرته، فأتبعها بذكر شمول نعمته على كافة خليقته، عقب ذلك بذكر إنعامه عليهم بإرسال الرسل فقال: (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه) قيل: إنما سمي نوحا لكثرة نوحه على نفسه، عن ابن عباس. وقيل في سبب نوحه: إنه كان يدعو على قومه بالهلاك. وقيل: هو مراجعته ربه في شأن ابنه. (فقال يا قوم اعبدوا الله) أي. أطيعوه، ووحدوه (ما لكم من إله غيره) بدأ بالتوحيد لأنه الأهم (أفلا تتقون) عذاب الله في ترك الإيمان به.
(فقال الملأ) أي الأشراف. (الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم) أي: يتشرف ويترأس عليكم، بأن يصير متبوعا، وأنتم له تبع، فيكون له الفضل عليكم. (ولو شاء الله) أن لا يعبد شئ سواه (لأنزل ملائكة) ولم يرسل بشرا آدميا (ما سمعنا بهذا) الذي يدعونا إليه نوح من التوحيد (في آبائنا الأولين) أي: في الأمم الماضية (إن هو إلا رجل به جنة) أي: حالة جنون (فتربصوا به حتى حين) أي: انتظروا موته فتستريحوا منه. وقيل: فانتظروا إفاقته من جنونه، فيرجع عما هو عليه. وقيل: معناه احبسوه مدة ليرجع عن قوله.
(قال رب انصرني بما كذبون [26] فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون [27] فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين [28] وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين [29] إن في ذلك