وقيل: هو أن موسى أتاه فقال له: تسلم وتؤمن برب العالمين على أن لك شبابك فلا تهرم، وتكون ملكا لا ينزع الملك منك حتى تموت، ولا تنزع منك لذة الطعام والشراب والجماع حتى تموت، فإذا مت دخلت الجنة. فأعجبه ذلك وكان لا يقطع أمرا دون هامان، وكان غائبا. فلما قدم هامان أخبره بالذي دعاه إليه وأنه يريد أن يقبل منه، فقال هامان: قد كنت أرى أن لك عقلا، وأن لك رأيا بينا. أنت رب وتريد أن تكون مربوبا؟ وبينا أنت تعبد وتريد أن تعبد؟ فقلبه عن رأيه، وكان يحيى بن معاذ يقول: هذا رفقك بمن يدعي الربوبية، فكيف رفقك بمن يدعي العبودية؟
(لعله يتذكر أو يخشى) أي: ادعواه على الرجاء والطمع، لا على اليأس من فلاحه، فوقع التعبد لهما على هذا الوجه، لأنه أبلغ لهما في دعائه إلى الحق، قال الزجاج: والمعنى في هذا عند سيبويه: إذهبا على رجائكما وطمعكما والعلم من الله قد أتى من وراء ما يكون. وإنما يبعث الرسل وهم يرجون ويطمعون أن يقبل منهم، والمراد بيان الغرض بالبعثة أي: ليتذكر ما أغفل عنه من ربوبية الله تعالى، وعبودية نفسه، ويخشى العقاب والوعيد. وفي قوله سبحانه: (فقولا له قولا لينا) دلالة على وجوب أن يرفق في الدعاء إلى الله، وفي الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ليكون أسرع إلى القبول، وأبعد من النفور. وقيل: إن هارون كان بمصر، فلما أوحى الله تعالى إلى موسى أن يأتي مصر، أوحى إلى هارون أن يتلقى موسى، فتلقاه على مرحلة، ثم ائتمرا وذهبا إلى فرعون.
(قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى [45] قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى [46] فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى [47] إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى [48] قال فمن ربكما يا موسى [49] قال ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى [50] قال فما بال القرون الأولى [51] قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى [52] الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى [53]