السماء والأرض، لما خافت النمل أن يطؤوها بأرجلهم. ولعل هذه القصة كانت قبل تسخير الله الريح سليمان.
فإن قيل: كيف عرفت النملة سليمان وجنوده حتى قالت هذه المقالة؟ قلنا: إذا كانت مأمورة بطاعته، فلا بد أن يخلق لها من الفهم ما تعرف به أمور طاعته، ولا يمتنع أن يكون لها من الفهم ما يستدرك به ذلك، وقد علمنا أنه تشق ما تجمع من الحبوب بنصفين، مخافة أن يصيبها الندى فتنبت، إلا الكزبرة فإنها تكسرها بأربع قطع، لأنها تنبت إذا شقت بنصفين. فمن هداها إلى هذا فإنه جل جلاله يهديها إلى تمييز ما يحطمها مما لا يحطمها. وقيل: إن ذلك كان منها على سبيل المعجز الخارق للعادة لسليمان عليه السلام.
قال ابن عباس: فوقف سليمان بجنوده حتى يدخل النمل مساكنه (فتبسم) سليمان (ضاحكا من قولها) وسبب ضحك سليمان التعجب، وذلك أن الانسان إذا رأى ما لا عهد له به، تعجب وضحك. وقيل: إنه تبسم بظهور عدله حيث بلغ عدله في الظهور مبلغا عرفه النمل. وقيل: إن الريح أطارت كلامها إليه من ثلاثة أميال حتى سمع ذلك، فانتهى إليها، وهي تأمر النمل بالمبادرة، فتبسم من حذرها.
(وقال رب أوزعني) أي: ألهمني (أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي) بأن علمتني منطق النمل، وأسمعتني قولها من بعيد، حتى أمكنني الكف، وأكرمتني بالنبوة، والملك. (وعلى والدي) أي: أنعمت على والدي بأن أكرمته بالنبوة، وفصل الخطاب، وألنت له الحديد، وعلى والدتي بأن زوجتها نبيك، وجعل النعمة عليها نعمة لله سبحانه عليه، يلزمه شكرها. (وأن أعمل صالحا ترضاه) أي: وفقني لأن أعمل صالحا في المستقبل ترضاه (وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين) قال ابن عباس: يعني إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ومن بعدهم من النبيين أي: أدخلني في جملتهم، وأثبت اسمي مع أسمائهم، واحشرني في زمرتهم. وقال ابن زيد: (في عبادك) معناه: مع عبادك. قال الزجاج: جاء لفظ (ادخلوا) كلفظ ما يعقل، لأن النمل ههنا أجري مجرى الآدميين، حتى نطق كما ينطق الآدميون. وإنما يقال لما لا يعقل: ادخلي. وفي الخبر: دخلت أو دخلن.
وروي أن نمل سليمان هذا كان كأمثال الذئاب والكلاب!