ساجدا، ودعا باسم الله الأعظم، فغار عرشها تحت الأرض، حتى نبع عند كرسي سليمان.
وذكر العلماء في ذلك وجوها أحدها: إن الملائكة حملته بأمر الله تعالى.
والثاني: إن الريح حملته. والثالث: إن الله تعالى خلق فيه حركات متوالية والرابع:
إنه انخرق مكانه حيث هو هناك، ثم نبع بين يدي سليمان والخامس: إن الأرض طويت له وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام. والسادس: إنه أعدمه الله في موضعه، وأعاده في مجلس سليمان. وهذا لا يصح على مذهب أبي هاشم، ويصح على مذهب أبي علي الجبائي، فإنه يجوز فناء بعض الأجسام دون بعض. وفي الكلام حذف كثير، لأن التقدير: قال سليمان له: إفعل. فسأل الله تعالى في ذلك، فحضر العرش، فرآه سليمان مستقرا عنده.
(فلما رآه مستقرا عنده) أي: فلما رأى سليمان العرش محمولا إليه، موضوعا بين يديه في مقدار رجع البصر (قال هذا من فضل ربي) أي: من نعمته علي، وإحسانه لدي، لأن تيسير ذلك وتسخيره، مع صعوبته وتعذره، معجزة له، ودلالة على علو قدره، وجلالته، وشرف منزلته عند الله تعالى (ليبلوني أأشكر أم أكفر) أي: ليختبرني هل أقوم بشكر هذه النعمة، أم أكفر بها (ومن شكر فإنما يشكر لنفسه) لأن عائدة شكره ومنفعته ترجعان إليه، وتخصانه دون غيره. وهذا مثل قوله:
(إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم) (ومن كفر فإن ربي غني) عن شكر العباد، غير محتاج إليه، بل هم المحتاجون إليه، لما لهم فيه من الثواب والأجر (كريم) أي:
متفضل على عباده، شاكرهم وكافرهم، عاصيهم ومطيعهم، لا يمنعه كفرهم وعصيانهم من الإفضال عليهم، والإحسان إليهم.
(قال) سليمان (نكروا لها عرشها) أي: غيروا سريرها إلى حال تنكرها إذا رأته، وأراد بذلك اختبار عقلها على ما قيل. (ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون) أي: أتهتدي إلى معرفة عرشها بفطنتها بعد التغيير، أم لا تهتدي إلى ذلك، عن سعيد بن جبير، وقتادة. وقيل: أتهتدي أي: أتستدل بعرشها على قدرة الله، وصحة نبوتي، وتهتدي بذلك إلى طريق الإيمان والتوحيد أم لا، عن الجبائي.
قال ابن عباس: فنزع ما كان على العرش من الفصوص والجواهر. وقال مجاهد:
غير ما كان أحمر، فجعله أخضر، وما كان أخضر فجعله أحمر. وقال عكرمة: زيد