من جوع ونحوه، لتمادوا في ضلالتهم وغوايتهم، يترددون، عن ابن جريج. (ولقد أخذناهم بالعذاب) معناه: إنا قد أخذنا هؤلاء الكفار بالجدب، وضيق الرزق، والقتل بالسيف. (فما استكانوا لربهم) أي: ما تواضعوا، ولا انقادوا (وما يتضرعون) أي: وما يرغبون إلى الله في الدعاء. وقال أبو عبد الله عليه السلام: الاستكانة الدعاء. والتضرع: رفع اليد في الصلاة.
(حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد) أي: هذا دأبهم حتى إذا فتحنا عليهم نوعا آخر من العذاب، وذاك حين دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليهم فقال: " اللهم سنين كسني يوسف " فجاعوا حتى أكلوا العلهر: وهو الوبر بالدم، عن مجاهد. وقيل: هو القتل يوم بدر، عن ابن عباس. وقيل: فتحنا عليهم بابا من عذاب جهنم في الآخرة، عن الجبائي. وقيل ذلك حين فتح مكة. وقال أبو جعفر عليه السلام: هو في الرجعة. (إذا هم فيه مبلسون) أي: آيسون من كل خير، متحيرون.
ثم بين سبحانه أنه المنعم على خلقه بأنواع النعم، فقال: (وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة) أي: خلق هذه الحواس ابتداء لا من شئ، وخص هذه الثلاثة لأن الدلائل مبنية عليها، ينظر العاقل، ويسمع، ويتفكر، فيعلم (قليلا ما تشكرون) أي: يقل شكركم لها، و (قليلا): منصوب على المصدر، وتقديره: تشكرون قليلا لهذه النعم التي أنعم الله بها عليكم. وقيل: معناه أنكم لا تشكرون رب هذه النعم فتوحدونه، عن مقاتل. (وهو الذي ذرأكم) أي: خلقكم وأوجدكم (في الأرض وإليه تحشرون) يوم القيامة، فيجازيكم على أعمالكم.
(وهو الذي يحيي ويميت) أي: يحييكم في أرحام أمهاتكم، ويميتكم عند انقضاء آجالكم. (وله اختلاف الليل والنهار) أي: وله تدبيرهما بالزيادة والنقصان.
وقيل: وله ملك اختلافهما وهو ذهاب أحدهما، ومجئ الآخر (أفلا تعقلون) أي:
أفلا تعلمون بأن تفكروا فتعلموا أن لذلك صانعا قادرا، عالما حيا حكيما، لا يستحق الإلهية سواه، ولا تحسن العبادة إلا له.
* (بل قالوا مثل ما قال الأولون [81] قالوا أإذا متنا وكنا ترابا وعظما أإنا لمبعوثون [82] لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير