إذا كان مما طريقه العلم، ومتى كان التأويل يحتاج إلى شاهد من اللغة، فلا يقبل من الشاهد إلا ما كان معلوما بين أهل اللغة، شائعا بينهم. وأما طريقة الآحاد من الروايات الشاردة، والألفاظ النادرة فإنه لا يقطع بذلك، ولا يجعل شاهدا على كتاب الله وينبغي أن يتوقف فيه ويذكر ما يحتمله، ولا يقطع على المراد منه بعينه، فإنه متى قطع بالمراد كان مخطئا، وان أصاب الحق، كما روي عن النبي صلى الله عليه وآله لأنه قال تخمينا وحدسا ولم يصدر ذلك عن حجة قاطعة وذلك باطل بالاتفاق.
واعلموا ان العرف من مذهب أصحابنا والشائع من اخبارهم ورواياتهم ان القرآن نزل بحرف واحد، على نبي واحد، غير أنهم اجمعوا على جواز القراءة بما يتداوله الفراء وأن الانسان مخير باي قراءة شاء قرا، وكرهوا تجويد قراءة بعينها بل أجازوا القراءة بالمجاز الذي يجوز بين القراء ولم يبلغوا بذلك حد التحريم والحظر وروى المخالفون لنا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (نزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف) وفي بعضها: (على سبعة أبواب) وكثرت في ذلك رواياتهم. لا معنى للتشاغل بايرادها واختلفوا في تأويل الخبر، فاختار قوم ان معناه على سبعة معان: أمر، ونهى، ووعد، ووعيد، وجدل، وقصص، وأمثال وروى ابن مسعود عن النبي " ص " أنه قال: " نزل القرآن على سبعة أحرف:
زجر، وأمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال. " وروى أبو قلامة عن النبي [ص] أنه قال: [نزل القرآن على سبعة أحرف:
أمر، وزجر، وترغيب، وترهيب، وجدل، وقصص، وأمثال.] وقال آخرون:
[نزل القرآن على سبعة أحرف] أي سبع لغات مختلفة، مما لا يغير حكما في تحليل وتحريم، ومثل. هلم. ويقال من لغات مختلفة، ومعانيها مؤتلفة. وكانوا مخيرين في أول الاسلام في أن يقرأوا بما شاءوا منها. ثم اجمعوا على حدها، فصار ما اجمعوا عليه مانعا مما اعرضوا عنه. وقال آخرون: [نزل على سبع لغات من اللغات الفصيحة، لان القبائل بعضها أفصح من بعض] وهو الذي اختاره الطبري. وقال بعضهم: [هي على سبعة أوجه من اللغات، متفرقة في القرآن، لأنه