يدخل الجنة أحد فقيل " بلى من أسلم وجهه الله " لان ما تقدم يقتضي هذا السؤال، ويصلح أن يكون جوابا للجحد على التكذيب - كقولك: ما قام زيد فيقول:
بلى قد قام، ويكون التقدير هاهنا ليس الامر كما قال الزاعمون " لن يدخل الجنة الا من كان هودا أو نصارى " ولكن " من أسلم وجهه لله وهو محسن " فهو الذي يدخلها وينعم فيها، أو بلى من اخلص نفسه لطاعة الله.
ومعنى أسلم يحتمل أمرين: أحدهما - أسلم إلى كذا بمعنى صرفه إليه كقولك أسلمت الثوب إليه، والثاني - أسلم له بمعنى اخلص له من قولك: قد سلم الشئ لفلان إذ اخلص له. ومنه قوله: " ورجلا سلما لرجل " (1) اي خالصا وقال زيد ابن عمرو بن نفيل:
وأسلمت نفسي لمن أسلمت * له المزن تحمل عذبا زلالا (2) وإنما جاز أسلم وجهه لله على معنى أسلم نفسه لله على مجرى كلام العرب في استعمال وجه الشئ، وهم يريدون نفس الشئ، إلا انهم ذكروه باللفظ الأشرف الأنبه ودلوا عليه به. كما قال عز وجل: " كل شئ هالك إلا وجهه " (3) أي إلا هو.
وقال: " كل من عليها فان ويبقى وجه ربك " (4) وقال الأعشى:
أؤول الحكم على وجهه * ليس قضائي بالهوى الجائر (5) يعني على ما هو من صحته، وصوابه. وقال ذو الرمة:
فطاوعت همي وانجلى وجه بازل * من الامر لم يترك خلاجا بزولها (6)