الكتاب وتكفرون ببعض " القصد بذلك توبيخهم وتعنيفهم على سوء افعالهم. فقال:
ثم أنتم بعد اقراركم بالميثاق الذي أخذته عليكم: " لا تسفكوا دماءكم ولا تخرجوا أنفسكم من دياركم " تقتلون أنفسكم يعني يقتل بعضكم بعضا. وأنتم مع قتلكم من تقتلون منكم. إذا وجدتم أسيرا منكم في أيدي غيركم من أعدائكم تفدونهم. ويخرج بعضكم بعضا من ديارهم، وقتلكم إياهم واخراجكم إياهم من ديارهم حرام عليكم كما حرام عليكم تركهم اسرى في أيدي عدوكم. فكيف تستجيزون قتلهم ولا تستجيزون ترك فدائهم. وتستجيزون قتلهم وهما جميعا في اللازم لكم من الحكم فيهم سواء، لان الذي حرمت عليكم من قتلهم واخراجهم من دورهم نظير الذي حرمت عليكم من تركهم اسرى في أيدي عدوهم. " أفتؤمنون ببعض الكتاب " الذي فرضت عليكم فيه فرائضي وبينت لكم فيه حدودي، واخذت عليكم بالعمل بما فيه ميثاقي، فتصدقون به فتفادون أسراكم من أيدي عدوكم، وتكفرون ببعضه فتجحدونه فتقتلون من حرمت عليكم قتله، من أهل دينكم ومن قومكم، وتخرجونهم من ديارهم وقد علمتم ان في الكفر منكم ببعضه نقضا منكم في عهدي وميثاقي.
وقوله: " فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا " فالخزي:
الذل، والصغار يقال خزي الرجل يخزى خزيا. " في الحياة الدنيا " يعني في عاجل الدنيا قبل الآخرة. ثم اختلفوا في الخزي الذي خزاهم الله بما سلف منهم من المعصية فقال بعضهم: ذلك حكم الله الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وآله من اخذ القاتل بما قتل، والقود به قصاصا، والانتقام من الظالم لمظلوم.
وقال آخر: بل ذلك هو الجزية منهم - ما أقاموا على دينهم - ذلة لهم وصغارا وقال آخرون: الخزي الذي خزوا به في الدنيا إخراج رسول الله صلى الله عليه وآله بني النضير من ديارهم لأول الحشر. وقيل: مقاتلة بني قريظة وسبي ذراريهم.
وكان ذلك خزيا في الدنيا وفي الآخرة عذاب عظيم ومعنى قوله: " يوم القيامة يردون إلى أشد العذاب " أي أسوء العذاب، يعني بعد الخزي الذي يحل بهم في الدنيا يردهم الله إلى أشد العذاب - الذي أعده الله لأعدائه.