والتسليم انهم لا يعلمون إلا ما علمهم الله وقوله: " سبحانك " نصب على المصدر ومعناه نسبحك وسبحانك مصدر لا ينصرف وقدمنا في ما مضى أن معنى التسبيح التنزيه ومعناه هاهنا تبريا منهم أن يعلموا الغيب واقرارا أنه المختص به تعالى دون غيره وقوله: " العليم الحكيم " معنى عليم أنه عالم وفيه مبالغة ومن صفات ذاته وإذا كانت كذلك، أفادت انه عالم بجميع المعلومات ويوصف به في ما لم يزل، لان ذلك واجب في العالم نفسه وقوله: " الحكيم " يحتمل أمرين:
أحدهما - انه عالم، لان العالم بالشئ يسمى بأنه حكيم فعلى هذا يكون من صفات الذات مثل العالم وقد بيناه والثاني - أن يكون من صفات الافعال ومعنى ذلك أن افعاله محكمة متقنة صواب ليس فيها وجه من وجوه القبح ولا التفاوت ولا يوصف بذلك في ما لم يزل وروي عن ابن عباس أنه قال: العليم الذي كمل علمه والحكيم: الذي كمل في حكمته وقد قيل في معنى حكيم: انه المانع من الفساد ومنه سميت حكمة اللجام لأنها تمنع الفرس من الجري الشديد قال جرير:
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم * إني أخاف عليكم ان اغضبا أي امنعوهم والاحكام والاتفاق والاتساق والانتظام متقاربة والحكمة نقض السفه يقال: حكم حكما واحكم إحكاما ويقال: أحكم فلان عمله إذا بالغ فيه فأصاب حقيقته والحكمة هي التي تقف بك على مر الحق الذي لا يخلطه باطل، والصدق الذي لا يشوبه كذب ومنه قوله: " حكمة بالغة " (1) والحكم بين الناس هو الذي يرضى به ليقف الأشياء مواضعها ومنه قوله: " فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها " (2) والحاكم القاضي بين الناس، وليقفهم على الحق ويقال: رجل حكيم إذا كان ذلك شانه وكانت معه أصول من العلم والمعرفة،