المعنى:
والله تعالى لا يجوز عليه حقيقة الاستهزاء لأنها السخرية على ما بيناه ومعناها من الله هو الجزاء عليها وقد يسمى الشئ باسم جزائه كما يسمى الجزاء باسم ما يستحق به كما قال تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) (1) وقال: (ومكروا ومكر الله) (2) وقال: (وان عاقبتم فعاقبوا) (3) والأول ليس بعقوبة والعرب تقول: الجزاء بالجزاء والأول ليس بجزاء (والبيت الأول شاهد بذلك) (؟) وقيل إن استهزاءهم لما رجع عليهم جاز أن يقول عقيب ذلك: (الله يستهزئ بهم) يراد به ان استهزاءهم لم يضر سواهم وانه (دبر) (4) عليهم وأهلكهم يقول القائل: أراد فلان أن يخدعني فخدعته: أي دبر علي امرا فرجع ضرره عليه وحكي عن بعض من تقدم أنه قال إذا تخادع لك انسان ليخدعك فقد خدعته وقيل أيضا: إن الاستهزاء من الله: الاملاء الذي يظنونه إغفالا وقيل: إنه لما كان ما أظهره من اجراء حكم الاسلام عليهم في الدنيا بخلاف ما أجراه عليهم في الآخرة من العقاب وكانوا فيه على اغترار به كان كالاستهزاء وروي في الاخبار أنه يفتح لهم باب جهنم فيظنون أنهم يخرجون منها فيزدحمون للخروج فإذا انتهوا إلى الباب ردتهم الملائكة حتى يرجعوا فهذا نوع من العقاب وكان الاستهزاء كما قال الله تعالى: (كلما أرادوا أن يخرجوا فيها من غم أعيدوا فيها) (5) وقوله (يمدهم) حكي عن ابن عباس وابن مسعود أنهما قالا: معناه يملي لهم بأن يطول أعمارهم وقال مجاهد: يزيدهم وقال بعض النحويين يمدهم كما يقولون نلعب الكعاب: أي بالكعاب وحكي أن مد وأمد لغتان وقيل مددت له وأمددت له يقال مد البحر فهو ماد وأمد الجرح فهو ممد قال الجرمي: ما كان من الشر فهو