قوله: كمثل الذي استوقد نارا " هلا قال كمثل الذين استوقدوا نارا يكني به عن جماعة من الرجال والنساء والصبيان والذي لا يعبر به إلا عن واحد مذكر ولو جاز ذلك لجاز أن يقول القائل: كأن أجسام هؤلاء - ويشير إلى جماعة عظيمي القامة - نخلة وقد علمنا أن ذلك لا يجوز؟ قلنا: في الموضع الذي جعله مثلا لأفعالهم جائز حسن وله نظائر كقوله: " تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت " (1) والمعنى: كدور أعين الذي يغشى عليه من الموت وكقوله " ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة " (2) ومعناه إلا كبعث نفس واحدة لان التمثيل وقع للفعل بالفعل وأما في تمثيل الأجسام لجماعة من الرجال في تمام الخلق والطول بالواحد من النخيل فغير جائز ولا في نظائره التفسير:
والفرق بينهما أن معنى الآية أن مثل استضاءة المنافقين بما أظهروا من الاقرار بالله وبمحمد صلى الله عليه وآله وبما جاء به قولا - وهم به مكذبون اعتقادا - كمثل استضاءة الموقد ثم اسقط ذكر الاستضاءة وأضاف المثل إليهم كما قال الشاعر وهو نابغة جعدة:
وكيف تواصل من أصبحت * خلالته كأبي مرحب (3) أي كخلالة أبي مرحب واسقط لدلالة الكلام عليه وأما إذا أراد تشبيه الجماعة من بني آدم وأعيان ذوي الصور والأجسام بشئ فالصواب أن يشبه الجماعة بالجماعة والواحد بالواحد لان عين كل واحد منهم غير أعيان الاخر كما قال تعالى: " كأنهم خشب مسندة " (4) وقال: " كأنهم اعجاز نخل خاوية " (5)