(باب في الاستعفاف) أي في شئ من غير المصالح الدينية (أن ناسا " من الأنصار) لم يتعين لي أسماءهم إلا أن النسائي روى من طريق عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه ما يدل على أن أبا سعيد راوي هذا الحديث خوطب بشئ من ذلك ولفظ ففي حديثه سرحتني أمي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني لأسأله من حاجة شديدة، فأتيته وقعدت فقال من استغنى أغناه الله الحديث، وزاد فيه: وسأل وله أوقية فقد ألحف، فقلت ناقتي خير من أوقية فرجعت ولم أسأله. ذكره في فتح الباري (حتى إذا نفذ) بكسر الفاء أي فرغ وفني (من خير) أي مال ومن بيان لما وما خبرية متضمنة للشرط أي كل شئ من المال موجود عندي أعطيكم (فلن أدخره عنكم) أي أحبسه وأخبؤه وأمنعكم إياه منفردا " به عنكم. وفيه ما كان عليه من السخاء وإنفاذ أمر الله. وفيه إعطاء السائل مرتين والاعتذار إلى السائل والحض على التعفف. وفيه جواز السؤال للحاجة، وإن كان الأولى تركه والصبر حتى يأتيه رزقه بغير مسألة (ومن يستعفف) أي من يطلب من نفسه العفة عن السؤال.
قال الطيبي: أو يطلب العفة من الله تعالى فليس السين لمجرد التأكيد (يعفه الله) أي يجعله عفيفا " من الاعفاف. وهو إعطاء العفة وهي الحفظ عن المناهي، يعني من قنع بأدنى قوت وترك السؤال تسهل عليه القناعة وهي كنز لا يفنى (ومن يستغن) أي يظهر الغنى بالاستغناء عن أموال الناس والتعفف عن السؤال حتى يحسبه الجاهل غنيا " من التعفف (يغنه الله) أي يجعله غنيا " أي بالقلب لأن الغني ليس عن كثرة العرض إنما غنى النفس (ومن يتصبر) أي يطلب توفيق الصبر من الله لأنه قال تعالى: (واصبر وما صبرك إلا بالله) أو يأمر نفسه بالصبر ويتكلف في التحمل عن مشاقه، وهو تعميم بعد تخصيص لأن الصبر يشتمل على صبر الطاعة والمعصية والبلية أو من يتصبر عن السؤال والتطلع إلى ما في أيدي الناس بأن يتجرع مرارة ذلك ولا يشكو حاله لغير ربه (يصبره الله) بالتشديد أي يسهل عليه الصبر فتكون الجمل مؤكدات.
ويؤيد إرادة معنى العموم قوله: (وما أعطي أحد من عطاء) أي معطى أو شيئا " (أوسع) أي أشرح