عمله (فعملني) بتشديد الميم أي أعطاني أجرة عمل وجعل لي عمالة (من غير أن تسأله) فيه دليل على أنه لا يحل أكل ما حصل من المال عن مسألة. وفي الحديث دلالة على أن عمل الساعي سبب لاستحقاقه الأجرة كما أن وصف الفقر والمسكنة هو السبب في ذلك وإذا كان العمل هو السبب اقتضى قياس قواعد الشرع أن المأخوذ في مقابلته أجرة، ولهذا قال أصحاب الشافعي تبعا " له إنه يستحق أجرة المثل. وفيه أيضا " دليل على أن من نوى التبرع يجوز له أخذ الأجرة بعد ذلك (فكل وتصدق) هنيئا " مريئا "، وإن لم تحتج إلى أكله فتصدق. قال المنذري:
وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي بنحوه.
ورواه الزهري عن السائب بن يزيد عن حويطب بن عبد العزي عن عبد الله بن السعدي عن عمر، فاجتمع في إسناده أربعة من الصحابة وهو أحد الأحاديث التي جاءت كذلك. ووقع في حديث الليث بن سعد الساعدي كما قدمناه، وهو عبد الله بن السعدي ولم يكن سعديا " فإنما قيل لأبيه السعدي لأنه كان مسترضعا " في بني سعد بن بكر وهو قرشي عامري مالكي من مالك بن حنبل. واسم السعدي عمرو بن وقدان وقيل: قدامة بن وقدان، وأما الساعدي فنسبة إلى بني ساعدة من الأنصار من الخزرج ولا وجه له ههنا إلا أن يكون له نزول أو حلف أو غير ذلك. وقوله: فعملني بفتح العين المهملة وتشديد الميم وفتحها أي جعل له العمالة وهي أجرة العمل، وفيه جواز أخذ الأجرة على أعمال المسلمين وولاياتهم الدينية والدنيوية. قيل: وليس معنى الحديث في الصدقات وإنما هو في الأموال التي يقسمها الإمام على أغنياء الناس وفقرائهم، واستشهد بقوله في بعض طرقه فتموله وقال الفقير لا ينبغي أن يأخذ من الصدقة ما يتخذه مالا كان عن مسألة أو غير مسألة.
واختلف العلماء فيما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم عمر من ذلك، بعد إجماعهم على أنه أمر ندب وإرشاد فقيل هو ندب من النبي صلى الله عليه وسلم لكل من أعطى عطية كانت من سلطان أو عامل صالحا " كان أو فاسقا، بعد أن يكون ممن يجوز عطيته، حكى ذلك غير واحد. وقيل ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ندب إلى قبول عطية غير السلطان، فأما السلطان فبعضهم منعها وبعضهم كرهه وقال آخرون