(إن خير الصدقة ما ترك غنى) قال الخطابي: يتأول على وجهين أحدهما أن يترك غنى للمتصدق عليه بأن يجزل له العطية، والآخر أن يترك غنى للمتصدق وهو الأظهر لقوله (وابدأ بمن تعول) أي لا تضيع عيالك وتتفضل به على غيرهم. قال النووي في شرح صحيح مسلم:
وإنما كانت هذه أفضل الصدقة بالنسبة إلى من تصدق بجميع ماله لأن من تصدق بالجميع يندم غالبا " أو قد يندم إذا احتاج ويود أنه لم يتصدق بخلاف من بقي بعدها مستغنيا " فإنه لا يندم عليها بل يسر بها. وقد اختلف العلماء في الصدقة بجميع ماله فمذهبنا أنه مستحب لمن لا دين عليه ولا له عيال لا يصبرون بشرط أن يكون ممن يصبر على الإضاقة والفقر، فإن لم يجتمع هذه الشروط فهو مكروه. قال القاضي: جوز جمهور العلماء وأئمة الأمصار الصدقة بجميع ماله، وقيل يرد جميعها وهو مروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقيل ينفذ في الثلث وهو مذهب أهل الشام، وقيل إن زاد على النصف ردت الزيادة وهو محكي عن مكحول. قال أبو جعفر الطبري: ومع جوازه فالمستحب أن لا يفعله وأن يقتصر على الثلث. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وابدأ بمن تعول)) فيه تقديم نفقة نفسه وعياله لأنها منحصرة فيه بخلاف نفقة غيرهم، وفيه الابتداء بالأهم فالأهم في الأمور الشرعية. قال المنذري: وأخرجه البخاري والنسائي بنحوه وأخرجه مسلم والنسائي من حديث حكيم بن حزام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(باب الرخصة في ذلك) أي في جواز التصدق بجميع المال (جهد المقل) قال في النهاية: الجهد بالضم الوسع والطاقة وبالفتح المشقة، وقيل المبالغة، والغاية، وقيل هما لغتان في الوسع والطاقة، فأما في المشقة والغاية فالفتح لا غير. ومن المضموم حديث الصدقة ((أي الصدقة أفضل. قال جهد