فألقى عمامته على وجهه وترحم عليه وكان له من قبل أخا وصديقا، فقال معاوية:
إكشف عن وجهه. فقال: لا والله لا يمثل به وفي روح فقال معاوية: إكشف عن وجهه فإنا لا نمثل به قد وهبناه لك. فكشف ابن عامر عن وجهه فقال معاوية: هذا كبش القوم ورب الكعبة اللهم اظفرني بالأشتر النخعي والأشعث الكندي والله ما مثل هذا إلا كما قال الشاعر: (1) أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها * وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا ويحمي إذا ما الموت كان لقاؤه * قدى السير يحمي الأنف أن يتأخرا كليث هزبر كان يحمي ذماره * رمته المنايا قصدها فتقطرا (2) ثم قال: إن نساء خزاعة لو قدرت على أن تقاتلني فضلا عن رجالها لفعلت (3) ومر بعبد الله بن بديل وهو بآخر رمق من حياته الأسود بن طهمان الخزاعي فقال له: عز علي والله مصرعك أما والله لو شهدتك لآسيتك ولدافعت عنك، ولو رأيت الذي أشعرك لأحببت أن لا أزايله ولا يزايلني حتى أقتله أو يلحقني بك. ثم نزل إليه فقال: رحمك الله يا عبد الله؟ إن كان جارك ليأمن بوائقك، وإن كنت لمن الذاكرين الله كثيرا، أوصني رحمك الله. قال: أوصيك بتقوى الله وأن تناصح أمير المؤمنين وتقاتل معه حتى يظهر الحق أو تلحق بالله، وأبلغ أمير المؤمنين عني السلام وقل له: قاتل على المعركة حتى تجعلها خلف ظهرك، فإنه من أصبح والمعركة خلف ظهره كان الغالب.
ثم لم يلبث أن مات فأقبل الأسود إلى علي عليه السلام فأخبره فقال: رحمه الله جاهد معنا عدونا في الحياة ونصح لنا في المماة. (4) وينم عن عظمة عبد الله بن بديل بين الصحابة العلوية قول ابن عدي بن حاتم رضوان الله عليه يوم صفين:
أبعد عمار وبعد هاشم * وابن بديل فارس الملاحم نرجو البقاء مثل حلم الحالم * وقد عضضنا أمس بالاباهم