وخرجنا منها وتوجهنا إلى منزل الرمل سرنا فيه ليلا وضللنا عن الطريق، فأضاء الصبح وعلا النهار، فبلغنا في الرمل أن لا نقدر على المشي، ولكن نسبح به على بطوننا، وأما الدواب فكانت تمشي والرمال تساوي ما هبط من السرج، فأشرفنا على الهلاك، ثم من الله علينا بالوصول إلى الطريق حتى وصلنا إلى مشهد مولانا الرضا عليه السلام.
ولما أقمنا أياما ورجعنا كان رجوعنا على طريق اسفراين، فرأينا في ذلك الطريق منازل عجيبة وأحوالات غريبة، فلما أتيت سبزوار حصل لي بعض الألم، فأخذت محملا على جمل، فلما وصلت إلى أصفهان بقيت فيها مدة قليلة، ثم سافرت إلى شوشتر، فجعلتها دار وطن، واتخذت فيها مساكن، وكان بيني وبين سلطان الحويزة ودادة ومحبة، وكان يرسل لنا في كل سنة كتابات متعددة بالقدوم إليه، فإذا قدمنا عليه عمل معنا من الاحسان ما لا نطيق شكره، ونحن الآن في شوشتر.
وفي هذا العمر القليل قد رأينا من مصائب الزمان ما لا نقدر على بيان شرحه، والذي سهله علينا الأخبار الواردة بابتلاء المؤمن، وانه لو كان غريقا في البحر وهو على لوح لسلط الله عليه من يؤذيه حتى يتم ثوابه، وكان شيخنا المجلسي أدام الله أيام عزه ومجده لا يقارب في العلم والعمل، ومع هذا كان هدفا لسهام المصائب، وأشد ما مر علينا من الأهوال أمور:
أولها: فراق الأحباب والأصحاب.
الثاني: فراق أخي وموته، فإنه جرح القلوب جرحا لا يندمل إلى الموت والعدم.
الثالث: موت الأولاد وأصعب الأمور أوسطها.
الرابع: حسد العلماء وأبناء الجنس، فإنهم حسدوني في كل بلاد أتيت إليها حتى انتهى حالهم معي في شيراز إلى أن سرقوا مني كتبا مليحة بخط يدي وقراءتي وحواشي ورموها في البئر حتى تلفت، ثم ظهر لي الذي رماها فما كلمته كلمة واحدة ولا واجهته بشئ حتى أخلف الله تعالى على تلك الكتب وغيرها، ولم يملك ذلك الرجل ورقة واحدة وأحوجه إلى سؤال الكفار، وأنا أحمد الله سبحانه على أني لم أزل محسودا ولا حسدت أحدا، وذلك أن الله وله الفضل لم يحوجني إلى الاقران والأمثال، ولم يحط مرتبتي عن مراتبهم، وهذا من باب إظهار فضل الله تعالى وكرمه، وإلا فالعبد المذنب الجاني ليس له مرتبة ولا درجة.