بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٨٠ - الصفحة ٩٠
لا صيام لمن لم يبيت الصيام، أي ينويه، من الليل.
والحاصل أن الآية تدل على أن البيات مقابل النهار كما صرح به جميع أهل اللغة والتفسير، وقد ورد في موارد الشرع أن منتهى البيتوتة طلوع الفجر فهو نهاية الليل أيضا كما روي في الكافي بسند معتبر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا جاء الليل بعد النفر الأول فبت بمنى ليس لك أن تخرج منها حتى تصبح (١).
وستأتي أخبار كثيرة في ذلك يتم الاستدلال بها، بمعونة تلك الآية وأمثالها.
السابعة: آيات الصيام من قوله تعالى ﴿لعلكم تتقون * أياما معدودات﴾ (٢) وقوله: (فعدة من أيام أخر) (٣) وقوله: ﴿أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم﴾ (4) ثم بيان الليلة بقوله: (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض) إلى قوله

(١) الكافي ج ٤ ص ٥١٢.
(٢) البقرة: ١٨٣ - ١٨٤، ولفظ الآيات هكذا: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون: أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) والصيام المفروض في هذه الآية هو الصوم والامساك من المغرب إلى المغرب كما هو المفروض على سائر الأمم، ومنهم اليهود وقد كانوا بمرئى المؤمنين ومسمعهم: يصومون من الأكل والشرب والجماع من المغرب إلى المغرب، ولذلك قال عز وجل: (كما كتب على الذين من قبلكم) ولا تجوز في قوله تعالى (أياما معدودات) وقوله تعالى: (فعدة من أيام أخر) لان اليوم يطلق على مجموع النهار والليل وعلى ذلك فلا تعلق للآيات بما كان المؤلف العلامة بصدده من البحث في تحقيق معنى النهار.
(٣) تقدم آنفا تحت رقم ٢.
(٤) البقرة: ١٨٧، ولا بأس بأن نتم بحث الآية ههنا ليكون القارئ على بصيرة من ذلك فنقول: لما قال عز وجل (كتب عليكم الصيام) صار الصوم مكتوبا عليهم كالدين على ما عرفت بيانه في كتابة الصلاة: (ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) فوجب عليهم الصوم في ظرف معين، وان فاتهم ذلك وجب عليهم قضاؤه، وان فاتهم مدى عمرهم وجب على وليهم أن يصوم عنهم أو يستأجر من يصوم عنهم فلا يسقط الصوم عنهم أبدا الا بالأداء.
ولما قال عز وجل (أياما معدودات) وأطلقه علمنا أنه لابد وأن يكون تلك الأيام متعينا من حيث التكليف، ولا تعين في أفراد الجموع غير المتناهية الا في أقله، وهو الثلاثة مع أنه القدر المتيقن من كل جمع، وقد كانت هذه الثلاثة أيام متعينا في كل شهر، ولذلك قال عز وجل: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) ولعلها هي أيام العشر:
- بضم العين وفتح الشين - أعنى اليوم العاشر والحادي عشر والثاني عشر ثلاثة أيام كما ورد به الرواية وهي أيام التشريق.
فالظاهر أن النبي صلى الله عليه وآله والمؤمنين كانوا يصومون تلك الأيام فريضة حتى نزلت (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) فصاموا تمام شهر رمضان: يصومون من الغروب إلى الغروب، وإنما يفطرون مرة واحدة بين المغربين قبل العشاء ونومه، ليتحقق مفهوم (صوم اليوم) وليستعد المكلف للصوم في اليوم الآتي.
وكانوا على ذلك ما شاء الله حتى جاء عام الخندق فعلم الله أنهم كانوا يختانون أنفسهم فتاب عليهم رحمة لهم وعفا عنهم وأنزل (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفى عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) فقوله عز وجل (وابتغوا ما كتب الله لكم) يعنى التطهير من الجنابة بالماء وان أعوزه فبالتراب، ولذلك كانت الطهارة فرضا من أركان الصوم لو أخل به الصائم عمدا أو جهلا أو نسيانا وسهوا كان صيامه باطلا ووجب عليه القضاء.
ويستفاد من قوله تعالى (أحل لكم ليلة الصيام) أن جواز الأكل والشرب والجماع ظرفه عامة الليل، وأن الليل تختتم بطلوع الفجر المعترض، وما بعده مفتتح النهار، ولذلك قال: (ثم أتموا الصيام إلى الليل) فلو كان بعد الفجر إلى طلوع قرص الشمس من الليل أيضا لقال (ثم أتموا الصيام إلى الليل القابل) وهو واضح لمن تأمل صدر الآية وذيلها، وكفى بهذا دليلا على من قال أن ما بين الطلوعين معدود من الليل.
ومعنى قوله عز وجل (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض) الخ أن الليل الذي جعله الله سباتا وسكنا بجعله مظلما، يختتم بطلوع الفجر إذا تبين لكم من نوره وشعاعه الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فحينئذ يقع كمال الابصار ويفتتح النهار كما أشار إليه بقوله عز وجل (جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا لتبتغوا فيه من فضله).
وأما ما قيل من أنه شبه بياض الفجر بالخيط، لان القدر الذي يحرم الافطار من البياض يشبه الخيط فيزول به مثله من السواد، ولا اعتبار بالانتشار أو قيل: شبه أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق وما يمتد معه من غبش الليل بخيطين أبيض وأسود، واكتفى ببيان الخيط الأبيض بقوله (من الفجر) عن بيان الخيط الأسود، لدلالته على كونه من الليل وبذلك خرجا عن الاستعارة إلى التمثيل. ففيه أن الفجر الثاني على ما أجمع عليه أهل الاسلام واعتبروه ميقاتا لحرمة الأكل والشرب في شهر رمضان، له من العظمة والبهاء والنباهة ما يرفعه أن يتشابه بالخيط الأبيض التافه على ما فيه من الدقة والبياض الذي لا يؤبه به، فلا تشابه ولا تجانس بينها من حيث الحسن والبهاء وعظمة النور حتى يشبه أحدهما بالاخر، ولو جاز التشبيه بينهما كان الفجر هو المشبه به لكون وجه الشبه فيه أقوى وأجلى وهو به أعرف وأشهر، لا أن يشبه الفجر في حسنه وبهائه ونوره وسطوعه وانتشار ضيائه بالخيط الأبيض، وهذا واضح لمن له أدنى دربة بأساليب الكلام.
هذا كله في الخيط الأبيض، وأما الخيط الأسود، فالامر فيه أوهن وأفظع حيث لا يرى في الأفق شئ يشبه بالخيط الأسود، لان أطباق السماء وأعنانها مملوء حينئذ ظلمة مطبقة، والغبش الذي يتوهم فوق الفجر المعترض، فمع أنه لا يشبه الخيط من حيث الدقة والعرض ليس تشبيهه بالخيط الأسود أولى من تشبيهه بالخيط الأبيض لكونه ضياء مختلطا بالظلام ونسبته إلى البياض والسواد سيان.
(٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 * الباب السادس * الحث على المحافظة على الصلوات وأدائها في أوقاتها وذم اضاعتها والاستهانة 1
3 تفسير قوله تعالى: " في بيوت أذن الله أن ترفع " 3
4 في أن أول الوقت أفضل وما استثني منه 6
5 عقاب من أخر الصلاة المفروضة بعد وقتها 11
6 في استحباب تأخير الصلاة في شدة الحر 15
7 عقاب من تهاون بصلاته من الرجال والنساء 21
8 في قول الرضا (ع): في الديك الأبيض خمس خصال من خصال الأنبياء عليهم السلام 22
9 * الباب السابع * وقت فريضة الظهرين ونافلتهما 26
10 في ساعات الليل والنهار 26
11 في أن أول صلاة فرضها الله تعالى على العباد صلاة يوم الجمعة، ووقت صلاة... 30
12 بحث وتوضيح وتبيين وتحقيق في: أن يبلغ الظل ذراعا، والتحديد بالقدم 34
13 في أن لكل صلاة وقتين، وأقوال الأصحاب في ذلك 39
14 الأقوال في تأخير صلاة الظهر في شدة الحر 42
15 * الباب الثامن * وقت العشائين 49
16 بيان وتحقيق في أول وقت المغرب وآخرها 50
17 أول وقت العشاء وآخرها 53
18 ذم من أخر المغرب حتى تشتبك النجم من غير علة 60
19 في قول رسول الله (ص): لولا أن أشق على أمتي لاخرت العشاء إلى نصف الليل 63
20 * الباب التاسع * وقت صلاة الفجر ونافلتها 72
21 في وقت نافلة الفجر 73
22 أول وقت صلاة الفجر وآخرها 74
23 * الباب العاشر * تحقيق منتصف الليل ومنتهاه ومفتتح النهار شرعا وعرفا ولغة ومعناه 74
24 في قول الشيخ الطبرسي رحمه الله تعالى وإيانا في الليل والنهار 75
25 فيما قاله الشيخ رحمه الله في الخلاف 76
26 فيما قاله المفيد والسيد المرتضى والشهيد رحمهم الله وإيانا 78
27 فيما قاله النيشابوري والكفعمي والراغب الاصفهاني رحمهم الله 81
28 الاستدلال بالآيات 85
29 في ساعة ما هي من الليل ولا هي من النهار 107
30 في قول الصادق عليه السلام: لا بأس بصلاة الليل من أول الليل 120
31 في وقت صلاة الليل 123
32 الاخبار التي يوهم خلاف الآيات وبعض الروايات 134
33 فيما قاله العلامة المجلسي رحمه الله وإيانا في بيان الاخبار 136
34 في علامة زوال الليل في الشهور 141
35 * الباب الحادي عشر * الأوقات المكروهة 146
36 في الصلاة بعد الغداة وبعد العصر 148
37 تحقيق في الأوقات التي تكره فيها الصلاة 152
38 * الباب الثاني عشر * صلاة الضحى 155
39 في أن صلاة الضحى بدعة لا يجوز فعلها 158
40 * الباب الثالث عشر * فرائض الصلاة 160
41 في قول الصادق عليه السلام: فرائض الصلاة سبع: الوقت، والطهور،... 160
42 * أبواب لباس المصلي * * الباب الأول * ستر العورة، وعورة الرجال والنساء في الصلاة وما يلزمهما من الثياب فيها... 164
43 تفسير الآيات ومعنى قوله تعالى: " ولباس التقوى " 167
44 البحث في الصدف واللؤلؤ، والأقوال في وجوب ستر العورة 172
45 في فضل التزين للصلاة 175
46 في عورة الرجل والمرأة ومصداقها، وفي الذيل ما يتعلق بالمقام 177
47 في الأمة والنهي عن قناعها في الصلاة 181
48 ثمانية لا تقبل لهم صلاة 183
49 في ثوب الرقيق وكراهة الصلاة فيه 184
50 * الباب الثاني * الرداء وسد له، والتوشح فوق القميص، واشتمال الصماء، وادخال اليدين... 189
51 في الرداء ومعناه واستحبابه للصلاة، والبحث فيه 189
52 في العمامة والقول فيها والتحنك 193
53 في التوشح فوق القميص 201
54 تحقيق وتفصيل في الصماء والتوشح 203
55 في البرنس 211
56 * الباب الثالث * صلاة العراة 212
57 فيمن كان عريانا وجواز ستر العورة بالحشيش في الصلاة 212
58 * الباب الرابع * ما تجوز الصلاة فيه من الأوبار والاشعار والجلود وما لا تجوز 217
59 النهي عن جلود الدارش، وفيه بيان وشرح 217
60 الصلاة في الخز، وحقيقة الخز 218
61 الصلاة في شعر ووبر وجلد السنجاب والحواصل 225
62 في أن السباع قابلة للتذكية ولا تجوز الصلاة في جلودها 229
63 التزين بالذهب، وسن إنسان ميت وأعضائها 232
64 في جلود الميتة وفرو الثعلب والسنور والسمور والسنجاب والفنك والقاقم 234
65 * الباب الخامس * النهى عن الصلاة في الحرير والذهب والحديد وما فيه تماثيل، وغير ذلك ما... 238
66 في عدم جواز لبس جلد الميتة والحرير المحض 238
67 التماثيل في البيت والثوب 244
68 الخلخال المصوت للمرأة، ولبس السواد، وخاتم الحديد 249
69 * الباب السادس * الصلاة في الثوب النجس أو ثوب أصابه بصاق أو عرق أو ذرق، وحكم ثياب... 257
70 معنى قوله تعالى: " وثيابك فطهر " والبزاق في الثوب. 257
71 فيمن ليس معه إلا ثوب نجس 261
72 * الباب السابع * حكم المختضب في الصلاة 263
73 في قوله عليه السلام: لا يصلي ولا يجامع المختضب، ولا يختضب الجنب 263
74 * الباب الثامن * حكم النجاسة في الثوب والجسد وجاهلها وحكم الثوب المشتبه 265
75 فيمن الاستنجاء، ومن كان عليه ثوبان فأصاب أحدهما بول 265
76 * الباب التاسع * الصلاة في النعال والخفاف، وما يستر ظهر القدم بلا ساق 274
77 * أبواب مكان المصلي وما يتبعه * * الباب الأول * أنه جعل للنبي (ص) ولامته الأرض مسجدا 276
78 في قول رسول الله (ص): أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي: جعلت لي الأرض... 276
79 جواز الصلاة في جميع بقاع الأرض إلا ما أخرجه الدليل 276
80 بيان في مكان المصلي: البيت والصحاري والبستان والأماكن المأذون في غشيانها 281
81 عدم جواز الصلاة في الملك المغصوب بين الغاصب وغيره وإشارة إلى من جوزه 282
82 * الباب الثاني * طهارة موضع الصلاة وما يتبعها من أحكام المصلي 285
83 في البيت التي لا تصيبها الشمس وأصابها البول وغيره 285
84 * الباب الثالث * الصلاة على الحرير أو على التماثيل، أو في بيت فيه تماثيل أو كلب أو خمر أو بول 288
85 في أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا تمثال جسد ولا إناء يبال فيه 290
86 * الباب الرابع * ما يكون بين يدي المصلى أو يمر بين يديه واستحباب السترة 294
87 في كراهة السراج والنار بين يدي المصلي 294
88 في استحباب السترة في قبلة المصلي 300
89 في حد الدنو من مريض عنز، والمرور بين يدي المصلي 302
90 الوقوف في معاطن الإبل، ومرابط الخيل والبغال والحمير والبقر وبيوت... 303
91 * الباب الخامس * المواضع التي نهى عن الصلاة فيها 305
92 في قول الصادق عليه السلام: عشرة مواضع لا يصلي فيها 305
93 بيان في المنع عن الصلاة في الطين والماء والحمام والقبور 306
94 المنع من الصلاة في الطرق وقرى النمل ومعاطن الإبل ومرابض الغنم 308
95 المنع من الصلاة في مجرى الماء والثلج والبيداء وذات الصلاصل وضجنان 310
96 في وادي الشقرة، وعدم جواز الصلاة إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم 313
97 البحث في قبور الأئمة وزياراتهم والصلاة عندهم عليهم السلام 314
98 في قول رسول الله (ص): لا تتخذوا قبري مسجدا، ولا بيوتكم قبورا... 324
99 * الباب السادس * الصلاة في الكعبة ومعابد أهل الكتاب وبيوتهم 330
100 جواز الصلاة في البيع والكنايس 330
101 الصلاة في بيت فيه يهودي أو نصراني أو مجوسي والصلاة في جوف الكعبة... 332
102 * الباب السابع * صلاة الرجل والمرأة في بيت واحد 334
103 الأقوال في محاذاة الرجل والمرأة في الصلاة 335
104 * الباب الثامن * فضل المساجد وأحكامها وآدابها، وفيه: آيات، و: أحاديث 339
105 تفسير الآيات، وتفسير قوله تعالى: " ومن أظلم ممن منع مساجد الله " 340
106 في بناء المسجد وتخريبها، والبيع والكنايس 345
107 في قول رسول الله (ص): جنبوا مساجدكم مجانينكم وصبيانكم ورفع أصواتكم.. 349
108 في محاريب المسجد 352
109 فيمن سبق إلى مكان المسجد أو المشهد 355
110 المساجد المباركة والمساجد الملعونة في الكوفة 360
111 ثلاثة يشكون في القيامة 368
112 الصلاة في المساجد المصورة 388