وأما الآيات:
فالأولى: قوله تعالى: ﴿حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى﴾ (١) ووجه الاحتجاج بها أن الأصل في كلام الحكيم أن يكون مفهوما مفيدا ينتفع به المخاطب، وأجمعت الطائفة المحقة على حصر الصلاة الوسطى في صلاة الظهر والعصر، فلو أريد بها العصر لم نستفد من الآية شيئا إذ كونها وسطى بين الصلوات أو بين صلاتين مشترك بين جميعها فلا يتميز عندنا، وإن قلنا إن وجه التسمية لا يلزم اطراده، ولو قلنا بأنها الظهر لكونها بين صلاتي النهار كما ورد في الخبر يحصل لنا فائدة من الآية، ولا يكون ذلك إلا ويكون صلاة الفجر من صلاة النهار.
وبوجه آخر وهو أن المتبادر من الوسطى المتوسطة بين الشيئين من جنسها فلو لم يقيد بقيد يشترك فيها جميع الصلوات، فلابد من التقييد، إما بكونها وسطى بين صلوات الليل، أو صلوات النهار أو صلوات الليل وصلوات النهار، والأولى باطلة بالاجماع المتقدم، والثانية لا تستقيم إلا بكون صلاة الفجر من صلاة النهار وكذا الثالثة لان ما سوى العصر من محتملاتها خارجة بالاجماع، والعصر إنما يتخصص بهذا الوصف إذا قلنا إنها بين صلاتي ليل وصلاتي نهار، ويمكن المناقشة فيه بوجوه أكثرها مندفعة بالتأمل الصادق.
الثانية: قوله سبحانه: ﴿أقم الصلاة طرفي النهار، وزلفا من الليل﴾ (2) والتقريب أن المتبادر من الطرف أن يكون داخلا في الشئ، فإنه لا يطلق طرف الثوب وطرف الخشب على غير جزئه الذي هو نهايته، لا سيما مع مقابلته بالليل، وليس في الطرف الأول صلاة سوى الفجر، ويؤيده أن أكثر المفسرين فسروهما بصلاة الفجر والعصر، وما ورد في بعض الأخبار من التفسير بصلاة الفجر والمغرب فمع ارتكاب التجوز في أحد الطرفين لدليل لا يلزم ارتكابه في الطرف الآخر.