النهار منته إلى الليل، ويكون مكافيا لقوله تعالى (يتبين لكم الخيط) فان المراد هنا ترخيص الاكل من أول الليل إلى وقت التبيين، وإذا قيل سرت إلى آخر الكوفة، كان المتبادر منه سرت من أوله إلى آخره، ولا يستقيم أن يجعل المبدء زمان التبيين، لمنافاته التراخي المستفاد من ثم، وظاهر معنى الاتمام، ولا جزءا من النهار من غير تعيين ولا جزءا معينا من النهار مثل النصف أو الثلث وأمثالهما.
وحينئذ نقول: لو كان طلوع الشمس مبدء النهار ومنتهى الليل استقام اعتبار هذه المعاني في الآية، لان الله تعالى لما خص الترخيص بأول الليل إلى وقت الفجر، ظهر منه وجوب الامساك في بقية الليل ثم أمر باتمام الامساك المذكور من أول النهار إلى الليل فصح معنى ثم والاتمام، وظهر حسن التعبير بهذا النحو بخلاف ما لو كان مبدء النهار الفجر إذ لا يصح حينئذ معنى ثم ولا الاتمام إلا بالعدول عن الظاهر وارتكاب تكلف، ولا يظهر حسن التعبير بهذا الوجه انتهى.
أقول: بما قررنا انهدم أساس هذا الكلام، وظهر بهذا الوجه حسن التقرير والنظام، وليت شعري كيف يكون ارتكاب مثل هذه التكلفات التي تخرج الكلام إلى التعمية والالغاز، أحسن من حمل الكلام على المجاز الشايع في كلام البلغاء، على أنا نقول على ما قررنا لا حاجة لنا إلى ارتكاب المجاز أصلا وإنما ارتكبنا لبلاغة الكلام وطراوته إذ نقول لما كان الامر السابق كافيا في الشروع في الصيام، وقد نبههم عليه بقوله (ليلة الصيام) (1) وتحديد الجماع والأكل والشرب بقوله (حتى يتبين) أيضا كان يدل عليه كما ذكره القائل الفاضل، فكأنه قال بعد شروعكم في الصيام بأمرنا يجب عليكم أن تتموه إلى الليل، فأي حاجة لنا إلى ارتكاب المجاز