ويسأل فيقال: كيف يتنادى أهل الجنة وأهل النار وأهل الجنة في السماء على ما جاءت به الرواية وأهل النار في الأرض وبينهما أبعد الغايات من البعد؟ وأجيب عن ذلك بأنه يجوز أن يزيل الله تعالى عنهم ما يمنع من السماع، ويجوز أن يقوي الله أصواتهم فيسمع بعضهم كلام بعض.
" الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا " أي أعدوا دينهم الذي أمرهم الله تعالى به اللهو واللعب دون التدين به، وقيل: اتخذوا دينهم الذي كان يلزمهم التدين به و التجنب من محظوراته لعبا ولهوا، فحرموا ما شاؤوا واستحلوا ما شاؤوا بشهواتهم.
" وغرتهم الحياة الدنيا " أي اغتروا بها وبطول البقاء فيها، فكأن الدنيا غرتهم " فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا " أي نتركهم في العذاب كما تركوا التأهب والعمل للقاء هذا اليوم، وقيل: أي نعاملهم معاملة المنسي في النار، فلا نجيب لهم دعوة، ولا نرحم لهم عبرة كما تركوا الاستدلال حتى نسوا العلم وتعرضوا للنسيان " وما كانوا بآياتنا يجحدون " (ما) في الموضعين بمعنى المصدر وتقديره: كنسيانهم لقاء يومهم هذا وكونهم جاحدين لآياتنا، واختلف في هذه الآية فقيل: إن الجميع كلام الله تعالى على غير وجه الحكاية عن أهل الجنة وتم كلام أهل الجنة عند قوله: " حرمهما على الكافرين " وقيل: إنه من كلام أهل الجنة إلى قوله: " الحياة الدنيا " ثم استأنف سبحانه الكلام بقوله: " فاليوم ننساهم " انتهى كلامه رحمه الله.
أقول: الذي يظهر لي من الآيات والاخبار هو أن الله تعالى بعد خرق السماوات وطيها ينزل الجنة والعرش قريبا من الأرض فيكون سقف الجنة العرش، ولا يبعد أن يكون هذا هو المراد بقوله تعالى: " وأزلفت الجنة للمتقين " وتتحول البحار نيرانا فيوضع الصراط من الأرض إلى الجنة. والأعراف: درجات ومنازل بين الجنة والنار، وبهذا يندفع كثير من الأوهام، والاستبعادات التي تخطر في أذهان أقوام في كثير مما ورد في أحوال الجنة والنار، والصراط ومرور الخلق عليه، ودخولهم الجنة بعده، وإحضار العرش يوم القيامة وأمثالها، وبه يقل أيضا الاستبعاد الذي مر في كلام السائل وإن كان يحتاج إلى أحد الوجهين اللذين ذكرهما أو مثلهما، ليرفع الاستبعاد رأسا والله يعلم.