قالوا: نهي النبي عن حزنه دليل شفقته، قلنا: حزنه ليس مباحا ولا طاعة وإلا لما نهى النبي عنه، فهو إما معصية أو مكروه فمرجوح ولا فضيلة في المرجوح.
قالوا: نهى الله نبيه في قوله: (فلا تحزن عليهم (1)) ونحوها فما ذكرتم ورد فيه، قلنا: ثبوت عصمته يوجب حمله على التنزيه.
قالوا: فليحمل نهي النبي صلى الله عليه وآله لصاحبه على التنزيه، قلنا: النهي حقيقة في التحريم، فلا يعدل عنها لغير دليل، فالمعصية لازمة دائما إذ لم تنقل التوبة وقد روى أبو إسحاق وهو من أمنائهم أن أبا بكر قال:
فلما ولجت الغار قال محمد * أمنت فثق من كل ممس ومدلج بربك إن الله ثالثنا الذي * وثقنا به في كل مثوى ومفرج ولا تحزنن فالحزن لا شك فتنة * وإثم على ذي البهجة المتحرج فقد شهد في شعره على نفسه أن النبي جعل حزنه فتنة، وهي أكبر من القتل.
إن قلت: لم تخص الفتنة في المعصية، لأن لها معان متكثرة، قلت: حيث إنه عليه السلام بالإثم قرنها، ارتفع باقي وجوهها.
قالوا: أخبر أن الله معهما في قوله: (إن الله معنا) قلنا: جاز كون الجمع للعظمة، وقد ذكر البيهقي أنه قال له: على ما تحزن؟ قال: على ابن عمك النائم على فراشك فقال: (إن الله معنا) أي معي ومعه، ولأن الله مع كل لقوله:
(ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم (2)) الآية.
قالوا: إنما كان حزنه على النبي فإن الحزن ما كان على الغير، والخوف ما كان على النفس، والنبي صلى الله عليه وآله لم يقل: لا تخف، قلنا: ذكر الزمخشري في كشافه أن الخوف غم يلحق الانسان لمتوقع، والغم حزن يلحقه لواقع، وأيضا فالقرآن عاكس ما قالوا، قال لأم موسى: (فإن خفت عليه (3)) وقال: (لا يحزنهم